السنة الرابعة / العدد الرابع عشر/ كانون أول 2008 - ذو الحجة 1429هـ

       رجوع     أرشيف المجلة     الرئيسية

 

تتمة مقال = السفارة في زمن الغيبة الصغرى

وكلاء الإمام (عجل الله فرجه) في الغيبة الصغرى

وكان للإمام (عجل الله فرجه) وكلاء في الغيبة الصغرى، تنحصر وكالتهم ونيابتهم على مناطقهم، والسفراء واسطة بينهم وبين الإمام (عجل الله فرجه)، وهم كثر، ينتشرون في مختلف المناطق الإسلامية، ولا يعرف عددهم بالدقة، مهمتهم تسهيل وتكميل وتوسيع عمل السفراء الأربعة في مختلف المناطق والبلدان الإسلامية، لا سيما في ظرف السرية والتكتم الذي كان سائدًا آنذاك، حيث لا يمكن للسفراء الاتصال بالقواعد الشعبية المنتشرة في العالم الإسلامي ، وكان الإمام (عجل الله فرجه) يتولى إقامتهم في منصب الوكالة مباشرة، كما يظهر من كتاب إقامة محمد بن إبراهيم بن مهزيار مكان والده، والذي جاء فيه: قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله تعالى(57)، وكذا ما جاء في كتاب إقامة إبراهيم بن محمد الهمداني العطار البغدادي، قال (عجل الله فرجه): وكتبت إلى مواليّ بهمدان كتابًا، أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك، وأن لا وكيل لي سواك(58).

وقد ذكر الشيخ الصدوق في كتابه كمال الدين وتمام النعمة ثلاثة عشر شخصًا من وكلاء ونواب الإمام المهدي في الغيبة الصغرى، وعدّ منهم: العمري وابنه، وأضاف إليهم السيد محمد الصدر ستة أشخاص(59).

ولكن بعض المؤرخين والباحثين عدّ منهم الكثير، بما يصل إلى خمسة وعشرين، وتجاوز بعضهم إلى القول بوصول عددهم إلى المائة(60). نذكر منهم:

من بغداد:

1- حاجز (بن يزيد الملقب بالوشّاء).

2- والبلالي (علي بن بلال)(61).

3- والعطار (إبراهيم بن محمد الهمداني العطار).

ومن الكوفة:

4- العاصمي(62).

ومن أهل الأهواز:

5 - محمد بن إبراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قم:

6- أحمد بن إسحاق (بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري)(63).

ومن أهل همدان:

7- محمد بن صالح (بن محمد الهمداني الدهقان).

ومن أهل الري:

8- البسامي(64).

9- والأسدي -يعني نفسه أي راوي هذا الحديث، وهو (أبو علي محمد بن جعفر بن عون الأسدي).

ومن أهل آذربيجان:

10- القاسم بن العلاء (أبو محمد)(65).

ومن أهل نيسابور:

11- محمد بن شاذان (بن نعيم النيسابوري)(66).

ومنهم:

12- إبراهيم بن مهزيار (أبو إسحاق الأهوازي والد محمد بن إبراهيم)(67).

13- محمد بن حفص بن عمرو العمري.

14- الحسين بن علي بن سفيان أبو عبد الله البزوفي.

15- إبراهيم بن محمد الهمداني(68).

16- أحمد بن اليسع بن عبد الله القمي.

17- أيوب بن نوح بن دراج النخعي(69).

ومنهم:

18- القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم النهاوندي(70).

ومنهم:

19- علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد(71).

20- هارون بن عمران الهمداني أبو عبد الله(72).

21- العزيز بن زهير الهمداني(73).

ومنهم:

22- القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد(74).

ومنهم:

23- محمد بن علي الهمداني -والد إبراهيم بن محمد الهمداني-(75).

التوقيعات الشريفة

من الأمور المرتبطة بالغيبة الصغرى: التواقيع الشريفة التي كانت تصدر عن الإمام (عجل الله فرجه) في الغيبة الصغرى، والمقصود بالتوقيع: الكتاب الموقع، وإنما أطلق عليه بأنه توقيع من باب تسمية الكتاب بأهم ما فيه أو أبرز ما فيه، أو ما يختم به وهو التوقيع، والمقصود: ليس خصوص الإمضاء للإمام (عجل الله فرجه)، إنّما المقصود هو الكتاب الذي يتضمن جواب الإمام على أسئلة الناس الموقّعة من قبله (عجل الله فرجه)، والتي كانت تصدر عن الناحية المقدسة.

وكانت هذه الأسئلة تعطى للسفير، وهو بدوره يوصلها للإمام (عجل الله فرجه)، وكان الإمام يجيب عليها، وتعتبر هذه التوقيعات الصادرة عن الناحية المقدّسة، والتي نلمسُ من خلالها معايشته (عجل الله فرجه) للأحداث والوقائع بكلّ دقائقها وتفاصيلها. فتجد رسائله المقدّسة تصل إلى شيعته لمعالجة ما يعتريهم من محنٍ ووقائع، ويزاول من خلال ذلك دوره القيادي، ولطفه وعطفه لشيعته وأتباعه ومحبيه.

نماذج من التوقيعات

نذكر منها توقيعه (عجل الله فرجه) إلى إسحاق بن يعقوب، الذي تعرّض فيه لكثير من المسائل، قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابًا، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه): أما ما سألت عنه -أرشدك الله وثبّتك- من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح (عليه السلام). أما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام). أما الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب (قيل: الشلماب شراب يتخذ من الشيلم وهو حبٌّ شبيه بالشعير، وفيه تخدير نظير البنج، وان اتفق وقوعه في الحنطة وعمل منه الخبز أورث السدر -أي تحيّر البصر- والدوار والنوم، ويكثر نباته في مزارع الحنطة)... وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره، وكذب الوقّاتون... وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.... وأما محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت، وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم، فإني منهم بريء، وآبائي (عليهم السلام) منهم براء... وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحل منها شيئًا فأكله فإنما يأكل النيران... وأما علّة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}... فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم. والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى(76).

بل كان أتباع أهل البيت (عليهم السلام) يطلبون من الإمام (عليه السلام) الدعاء حتى لأمور دنياهم فضلاً عن أمور دينهم، كما حصل مع والد الصدوق، روي أن علي بن الحسين بن بابويه، كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه، فلم يرزق منها ولدًا، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضوان الله عليه، أن يسال الحضرة، أن يدعو الله أن يرزقه أولادًا فقهاء، فجاء الجواب: (إنك لا ترزق من هذه، وستملك جارية ديلمية، وترزق منها ولدين فقيهين)، قال أبو عبد الله بن سورة حفظه الله: ولأبي الحسن بن بابويه ثلاثة أولاد: محمد (الصدوق)، والحسين وهو فقيه لكنه لم يكن مشهورًا كأخيه الصدوق، وهما ماهران في الحفظ، ويحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل (قم)، ولهما أخ اسمه الحسن، وهو الأوسط، مشتغل بالعبادة والزهد، ولا يختلط بالناس ولا فقه له، قال ابن سورة: كلما روى أبو جعفر وأبو عبد الله ابنا علي بن الحسين شيئًا يتعجب الناس من حفظهما، ويقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام (عليه السلام)، وهذا الأمر مستفيض في أهل قم. وفي رواية النجاشي في رجاله: إن جواب الإمام: (قد دعونا الله لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين خيرين)(77).

نكتفي بهذا الأنموذج من التوقيعات الشريفة التي صدرت عن الناحية المقدسة وهي كثيرة جدًا.

اختفاء التوقيعات

وهنا تساؤل يفرض نفسه وهو: أين تلك التوقيعات التي صدرت عن الإمام (عجل الله فرجه) بخطه وتوقيعه الشريفين؟ ولماذا لم يُعثر على أي نسخة أصلية من هذه التوقيعات، حتى في المتاحف وغيرها التي تهتم بهذه الأمور؟ وما نقلته الكتب هو حكاية هذه التوقيعات الشريفة فقط.

والجواب: أن السبب في ذلك لعل منشأه أن الإمام (عجل الله فرجه)، كان يأمر السفراء بأن لا يعطوا الكتب إلى من يطلبها من الناس غير الوكلاء، بل يقرؤون عليه التوقيع، ثم يخفونه أو يمزقونه، أو لعل هناك تدخّلاً ربانيًا لإخفائها بعد الاستفادة منها، حتى لا تقع في أيدي الظلمة، فيتوصلون من خلالها إلى الإمام (عجل الله فرجه)، لأن العثور على هذه التوقيعات ووقوعها بيد السلطات يعني كشف شبكة الاتصالات بين الإمام (عجل الله فرجه) وقواعده، والحذر الشديد من قبل السفراء -الذي أدّى إلى عدم العثور على أي خيط مهما كان ضئيلاً- يدل على وجود هذه العلاقة السرية الخطيرة، التي كانت تربط الإمام (عجل الله فرجه) بقواعده المنتشرة في مناطق شاسعة، ومن هنا نرى القدرة على تحمل المسؤولية لأولئك السفراء العظماء، الذين حافظوا على وحدة المذهب طيلة ما يقارب من سبعين سنة، على الرغم من الحملات التي قامت بها السلطات لكشف هذه العلاقة، ولكنها باءت جميعها بالفشل والخيبة

 ويؤيد ذلك: ما رواه أبو علي المتيلي، قال: جاءني أبو جعفر (السفير الثاني)، فمضى بي إلى العباسية، وأدخلني خربة، وأخرج كتابًا فقرأه علي، فإذا فيه شرح جميع ما حدث على الدار، وفيه: أن فلانة -يعني أم عبد الله- تؤخذ بشعرها وتُخرج من الدار، ويُحدر بها إلى بغداد، فتقعد بين يدي السلطان، وأشياء مما يحدث، ثم قال لي: احفظ، ثم مَزَّق الكتاب. وذلك قبل أن يحدث ما حدث بمدة(78).

وأخيرًا: لا يسعنا إلا أن ندعو الله تعالى بتعجيل الفرج لإمامنا وولينا خاتم الأوصياء بقية الله الأعظم صاحب العصر والزمان الحجة المنتظر، والصلاة والسلام على نبينا وآله الطيبين الطاهرين.

انتهى المقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(57) المصدر السابق، 282.

(58) اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي: 2/869.

(59) تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، 610-629.

(60) مقال: وكلاء الإمام المهدي عليه السلام للشيخ حسن الشيخ عبد الأمير الظالمي .

(61) كما جاء في قاموس الرجال للتستري في ترجمته لكن ذكر السيد الصدر في تاريخ الغيبة الصغرى أن المراد به الابن: أبو طاهر محمد بن علي بن بلال وقد جاء في بعض توقيعات الإمام (عليه السلام) انه الثقة المأمون وذكره الصدوق في قائمة الوكلاء لكن الشيخ ذكره في المذمومين مما أوجد هذا الارتباك بحقه، لكنه كان وكيلاً في مبدأ أمره ثم انحرف وفسد (تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، 612-613 ط2، دار التعارف بيروت).

(62) ذكر السيد محمد الصدر انه دائر بين شخصين هما: 1- عيسى بن جعفر بن عاصم . و2- أحمد بن محمد بن طلحة أبو عبد الله، وكلاهما لم يذكرا في الوكلاء، لكن الصدوق عدّه من الوكلاء (تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، 614)، والأقرب أنه أحمد بن محمد، فهو الذي يلقب بالعاصمي وهو الكوفي، وكان من مشايخ الكليني، وكان معاصرًا للغيبة الصغرى. وأما عيسى بن جعفر فهو معاصر لصفوان بن يحي ومحمد بن سنان، وكان في زمن الصادق (عليه السلام) (جامع الرواة، الشيخ محمد علي الأردبيلي: 2/124، ط1، 1403 هـ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي-قم) ويؤيد ذلك ما قاله الشيخ عباس القمي: العاصمي هو: أحمد بن محمد بن عاصم أحد وكلاء الناحية المقدسة الذي تشرف بلقاء مولانا الحجة ابن الحسن صاحب الزمان عليه السلام، (الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، 454، مكتبة الصدر - طهران، تقديم محمد هادي الأميني).

(63) كان مقربا لدى الإمام العسكري (عليه السلام) ويكفيه فخرًا أن الإمام (عليه السلام) أرسل إليه توقيعًا رواه الصدوق في كمال الدين ص 434 جاء فيه: « وُلد لنا مولود، فليكن عندكم مستورًا، وعن جميع الناس مكتومًا، فإنّا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والموالي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرّنا به والسلام] .

(64) قال في الغيبة الصغرى: الشامي -تبعًا للشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى- غير معروف النسب كان من أهل الري وكان من وكلاء القائم (تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، 618)، والصحيح أنه البسامي كما جاء في رواية كمال الدين، لم يُعرف اسمه بل كل من تكلم عنه ذكره بلقبه.

(65) أقام في مدينة الران من أذربيجان، وكان في زمن السفيرين الثاني والثالث، وكانت لا تنقطع توقيعات الإمام (عليه السلام) إليه، وأخبره الإمام في بعض هذه التوقيعات أنه سيموت بعد أربعين يومًا، وأرسل إليه بسبعة أثواب للتكفين، وقد عزّى الإمام (عليه السلام)، ابنه فيه (تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، 621- 622).

(66) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، 442 - 443 .

(67) ورد في التوقيع لمحمد بن إبراهيم: قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله تعالى (تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، 623).

(68) جاء في كتاب الإمام الحجة (عليه السلام) إليه، كتبت إلى مواليَّ بهمدان كتابًا أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك، وأن لا وكيل لي سواك (تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، 627).

(69) تاريخ الغيبة الصغرى، السيد محمد الصدر، 623.

(70) معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص81، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ط1، 1379، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم .

(71) وسائل الشيعة (آل البيت) الحر العاملي، 30/433 نقلا عن العلامة .

(72) نفس المصدر: 30 /504 نقلا عن النجاشي في ترجمة محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني.

(73) نفس المصدر، الوسائل: 30/421 نقلا عن النجاشي في ترجمة محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني.

(74) الهمداني، كامل الزيارات، الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه، ص11، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، ط1، 1417مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة - قم .

(75) خاتمة المستدرك، الميرزا النوري، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 3/255، ط1، 1416 المطبعة: ستارة - مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم.

(76) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، 484-485؛ الغيبة - الشيخ الطوسي، 390-393.

(77) علل الشرائع، الشيخ الصدوق، 1/7-8.

(78) كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، 498 .

أعلى الصفحة     محتويات العدد الرابع عشر