فيما يجب استقباله

ــــــــــــــــــــــــــــــ

والقول بأنّ القبلة للبعيد سمت الكعبة وجهتها، راجع في الحقيقة إلى ما ذكرناه، وإن كان مرادهم الجهة العرفيّة المسامحيّة فلا وجه له (1).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   اختلف الأصحاب فيما يجب استقباله، فذهب جماعة ـ وهو المعروف والمشهور ـ إلى أنه عين القبلة، وذكر بعضهم كالمحقق أنه إذا لم يمكن يكفي استقبال الجهة.

فالمتسالم عليه أن الكعبة هي القبلة غاية الأمر أنها عيناً أو جهة، بل هذا من ضروريات الدين كما عن المسالك، ويلقن به الأموات ويعرفه الخارج عن الإسلام وتدل عليه الروايات المستفيضة[[1]].

لكن حكي عن الشيخين وجملة من المتقدمين وبعض المتأخرين: أن الكعبة قبلة لمن في المسجد والمسجد قبلة لمن خرج عنه وكان في الحرم، والحرم قبلة لمن خرج عنه من كل مكان.

فإن أرادوا بهذا القول أن القبلة تتسع حقيقة لمن خرج عن المسجد وعن مكة، حتى أن خارج المسجد يتوجه للمسجد أو لطرف منه وإن علـم بعدم توجهه إلى القبلة، وكذا الخارج عن مكة.

فهذا مخالف للضرورة بحسب الظاهر، لأن من كان متمكناً من استقبال القبلة لا يجوز له استقبال جزء من المسجد. 

وإن أرادوا أن البعيد يستقبل المسجد أو يستقبل مكة لأنه حينئذ يستقبل الكعبة، ولو استقبل جزء من المسجد أو من مكة وإن علم بعدم استقباله لنفس الكعبة تصح صلاته.

فالنزاع حينئذٍ لفظي، ومعناه التوسعة في الاستقبال بالنسبة للبعيد، فلا يبقى بينه وبين القائلين بالتوجه إلى الكعبة إلا جواز استقبال غير الكعبة من المسجد والحرم للبعيد، حتى مع التمكن على هذا القول، وعدم الجواز مع التمكن على القول الأول، ووجوب استقبال المسجد والحرم لغير المشاهد على هذا القول لأنه قبلة، ووجوب استقبال الجهة لغير المشاهد على القول الأول، مع أن جماعة صرحوا بوجوب استقبال العين للمشاهد، ومع احتمال أن يريدوا بالمسجد والحرم للبعيد هـو الجهة، فلا يبقى نزاع في المسألة أصلاً.

أدلة القول باختلاف القبلة باختلاف المصلي

وكيف كان فقد استدلوا لهذا القول، بعد الإجماع الذي لا يعتمد عليه لما عرفت، بروايات:

منها: مرسلة الحجال عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا[[2]].

وهذه الرواية فيها الحسن بن الحسين اللؤلؤي، وهذا وثقه النجاشي، وإن استثناه وضعفه ابن الوليد، وفيها الحجال وهو مهمل وإن وجد في كامل الزيارات، والمهم أن الرواية مرسلة.

ومنها: رواية بشر بن جعفر الجعفي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: (سمعته يقول: البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة للناس جميعاً)[[3]].

وطريق الشيخ لابن عقدة لا بأس به، وابن عقدة موثّق وإن كان مخالفاً للحق في عقيدته، لكن الحسين بن محمد بن حازم مجهول، ومثله تغلب بن الضحّاك، وكذا البشر بن جعفر فإنه مهمل أيضاً.

ومنها: مرسلة الصدوق في الفقيه بنفس المضمون[[4]] وهي مرسلة، على أنه يمكن أن يكون المراد بها الرواية الأولى حيث رواها الصدوق في العلل مسندة ظناً أو اطمئناناً، وعلى فرض أنها غيرها فهي مرسلة.

ومثلها ما رواه الصدوق في العلل أيضاً مسنداً بنفس المضمون مع زيادة[[5]]، ولكنها ضعيفة بأبي غرة.

فهذه الروايات كلها ضعيفة فلا يرفع اليد عما دل على أن الكعبة قبلة لجميع الناس، وتقييدها بخصوص أهل المسجد.

ولو صحت هذه الروايات، فلا بد من تأويلها وحملها على إرادة بيان اتساع الاستقبال للبعد كما ذكرنا، لا أن من صلى للمسجد مع العلم بعدم التوجه للكعبة تصح صلاته، فإن هذا خلاف الضرورة، ويعرفه غير المسلمين فضلاً عن المسلمين فهو غير جائز مع الاختيار.

وعلى كل تقدير، لا تكون هذه الروايات معارضة للروايات الصحيحة الصريحة الدالة على أن القبلة هي نفس الكعبة.

نعم يبقى هاهنا شيء منسوب للخلاف، وهو أنه لو كان التوجه إلى عين الكعبة لوجب ـ إذا كان هناك صف مستقيم طويل أطول من الكعبة خلف الإمام ـ أن تكون صلاة أهل هذا الصف أو صلاة أكثرهم إلى غير القبلة، إما منهم أو من إمامهم.

وكل ذلك باطل بالإجماع، وليس لهم أن يقولوا الواجب للبعيد هو الجهة هرباً من ذلك، لأن جهات القبلة غير منحصرة، بل جهة كل واحد من المصلين غير جهة صاحبه، ولا يمكن أن تكون الكعبة في الجهات كلها.

فالسؤال لازم لهم ولا يلزمنا مثل ذلك لأنا نقول بالتوجه للحرم وهو طويل، بل يمكن أن يكون كل واحد من الجماعة متوجهاً إلى جزء منه.

وناقشه في الجواهر بورود ذلك مثله على القائلين بأن القبلة هي المسجد أو الحرم، فيما لو استطال الصف لمتحدي العلامة من إقليم، بحيث يقطع بزيادته عن الحرم أو استطال الصف في الحرم بحيث خرج عن مساحة المسجد.

ودعوى منع ذلك لكروية الأرض غير مسموعة، على أنها مقابلة بأن الحرم الصغير كلما ازدادوا عنه بعداً ازدادوا له محاذاة، وإن كان ذلك لا يقتضي استقبال العين إذ لو أخرجت خطوط متوازية من مواقف البعيد المتباعدة لم تتصل الخطوط أجمع بالكعبة وإلا لم تكن متوازية.

والحاصل: أنه من أجل هذا الإشكال التزموا بأن القبلة هي جهة الكعبة لا عينها، ولذا ذكر المحقق الأردبيلي على ما حكي عنه أنه لا يعتبر التدقيق في أمر القبلة، وما حاله إلا كحال أمر السيد عبده باستقبال بلد من البلدان النائية الذي لا ريب في امتثاله بمجرّد التوجه إلى تلك البلد، من غير حاجة إلى رصد وعلامات وغيرها مما يختص بمعرفته أهل الهيئة، المستبعد والممتنع تكليف عامة الناس من النساء والرجال، خصوصاً السواد منهم بما عند أهل الهيئة الذي لا يعرفه إلا الأوحدي منهـم، واختلاف العلامات التي نصبوها، وخلوّ النصوص عن التصريح بشيء من ذلك عدا ما ورد في الجدي، وهو مع ضعفه خاص بالعراقي، مع شدة الحاجة إلى معرفة القبلة في أمور كثيرة خصوصاً مثل الصلاة وتوجه أهل مسجد قبا في أثناء الصلاة، لمّا بلغهم انحراف النبي (صلى الله عليه وآله)، وغير ذلك مما لا يخفى على العارف بالملة السهلة أكبر شاهد على شدة التوسعة في أمر القبلة وعدم وجوب شيء مما ذكره هؤلاء المدققون.

في معنى الجهة

ثم إنه اختلفت كلماتهم في تعريف الجهة، فعن المحقق أنها السمت الذي فيه الكعبة، وهذا متسع يوازي جهة كل مصلٍّ، وعن التذكرة أن الجهة هي ما يظن أنها القبلة، وعن غيره أنها السمت الذي يظن كون الكعبة فيه، وعن كشف اللثام أنها السمت الذي يحتمل كل جزء منه اشتماله عليها ويقطع بعدم خروجها عن جميع أجزائه.

وفي جميع هذه التعاريف مناقشة ظاهرة، فإن الظن والاحتمال مما لا دخل له في مفهوم الجهة أصلاً، بل هو جهة الكعبة فهو جهتها، ظن أم لم يظن، والظن والاحتمال دخيلان في الجهة الظاهريّة التي تجوز الصلاة إليها ظاهراً، ولا دخل لهما فيما هو جهة الكعبة واقعاً الذي أمر الله بالتوجه إليه.

وأما ما عن المحقق فإنه كلام مجمل، فإن هذا السمت الذي ذكره غير معلوم المقدار، لأن المقدار الذي يسمى سمتاً يختلف، فإن أي مقدار نأخذه من دائرة الأفق أي من القوس فهو سمت فيه القبلة، فلم يعيّن المحقق (قده) مقدار السمت، فهذا إيكال إلى أمر مجهول.

وعن المقداد أن الجهة خط مستقيم يخرج من المشرق والمغرب الاعتداليين أي خط يمر بنقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي الذي إذا وصلت إليه الشمس يتساوى الليل والنهار، ويمر بسطح الكعبة.

فالمصلي يفرض من نظره خطاً يخرج إلى ذلك الخط، فإن وقع على زاوية قائمة فذلك هو الاستقبال، وإن كان منه على زاوية حادة أو منفرجة فهو مصلٍ إلى ما بين المشرق والمغرب انتهى.

ولازم هذا الكلام أنه بناء على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة فصلاته صحيحة.

وتوضيح كلامه: أن الجهة عبارة عن فرض خط يمر بنقطتي الاعتدال الربيعي والخريفي، يعني نقطة المشرق والمغرب في يومي الاعتدال، وهذا يعبر عنه بالمشرق الاعتدالي والمغرب الاعتدالي.

يعني إذا وصلت الشمس إلى هذه النقطة وكان سيرها في هذه الدائرة بين هاتين النقطتين، فالليل والنهار يتساويان، ولذا يقال لهاتين النقطتين نقطة الاعتدال أي الليل والنهار يتساويان كل واحد 12 ساعة، فالمقداد يفرض خطاً يمر بهاتين النقطتين ويمر بسطح الكعبة أيضاً.

ثم إن المصلي عندما يتوجه إلى هذا الخط، فإما أن لا يكون الخط الذي نفرضه من نظر المصلي واصلاً إلى هذا الخط أبداً في سطح الأرض في دائرة الأفق يعني يخرج مستقيماً في سطح الأرض وفوق الأرض ولا يصل إلى هذا القوس الواقع بين النقطتين، فهذا الشخص إما مستدبر أو متيامن عن النقطتين إلى طرف الشمال، فصلاته باطلة وإن لم يذكر هذا المقدار ولكنه لازم كلامه.

وقد نفرض أن هذا الخط يتقاطع مع الخط المارّ على النقطتين وعلى سطح الكعبة، فيحدث من هذا زوايا قوائم كل زاوية تسعون درجة، فهو على هذا مستقبل للجهة.

وقد لا يحدث منه زاوية قائمة بل زاوية حادة أو منفرجة، بمعنى أن هذا الخط الذي فرضناه مارّاً على سطح الكعبة لا يقاطعه، فتكون إحدى الزاويتين أصغر من الأخرى، فالصغرى هي الحادة والكبرى هي المنفرجة الأكثر من تسعين درجة.

فعلى هذا يقول المقداد: بأن المصلي مصل إلى ما بين نقطتين المشرق والمغرب بناء على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، فبالنسبة للجاهل لا بأس بصلاته وهي صحيحة، هذا توضيح ما ذكره.

وهذا الذي ذكره الفاضل المقداد معقول في نفسه، إلا أنه ما هو الدليل على أن هذا الفرض قبلة بالنسبة للبعيد ؟

على أنه قد تكون الزاوية الحادة أو المنفرجة أقرب إلى الكعبة من  الزاوية القائمة، كما إذا فرضنا أن الكعبة منحرفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب بمقدار عشر درجات، وفرضنا المصلي بعيداً عن نقطة الجنوب إلى جهة المغرب مقدار ثلاثين درجة، يعني يحتاج في التوجه إلى الكعبة من الانحراف إلى اليسار كما في مثل دمشق وبيروت، فإنه لا بد للمصلي حينئذٍ من الميل إلى الطرف الأيمن من الجنوب ليكون متوجهاً إلى الكعبة. 

ويمكن فرض العكس أي فرض هذه الأبعاد بين الجنوب والمشرق، فلو خرج خط من المشرق إلى المغرب الاعتداليين وكان ماراً على سطح الكعبة، فهذا المصلي لو استقبل الكعبة، وهذا الخط يخرج منه خط يتلاقى مع الخط الأول وحدث منه زوايا قوائم فهو مصلٍ إلى الجهة، فلـو تيامن يخرج منه خط يصل للخط الأول ويحدث منه زاوية حادة ومنفرجة، فهو متوجه إلى ما بين المشرق والمغرب، أو أقرب إلى الكعبة من حدوث الزوايا القوائم.

فالأمر إذن قد يكـون بعكس ما ذكره.

وقد يتياسر في الفرض المذكور فتحدث زوايا حادة ومنفرجة، وهو مصل إلـى نفس الكعبة لا إلى ما بين المشرق والمغرب أو أقرب من ذلك.

والحاصل: أن ما ذكره الفاضل المقداد معقول في نفسه ولكن فيه ما عرفت بالإضافة إلى أنه لا دليل عليه.

وأورد عليه أيضاً بإيرادات أخرى:

أولاً: أن الخط الخارج ما بين المشرق والمغرب الاعتداليين يمتنع أن يكون ماراً بسطح الكعبة لانحرافها عنه إلى الشمال.

وفيه: أن أي نقطة من الأرض لو أخذنا خطاً بين المشرق والمغرب يمكن أن يمر على الكعبة، وكذا مكّة، نعم خط الاستواء ليس كذلك، لأنه خط يمر بين المشرق والمغرب، ويجعل الدائرة نصفين، وقطب هذه الدائرة هو نقطة الشمال والجنوب، فهذا هو خط الاستواء، وهذا لا يمكن أن يمر بمكة لانحرافها، والظاهر حصول الاشتباه في المراد بهذا الخط مع أنه ليس المراد منه خط الاستواء.

وأورد عليه ثانياً: بأن لازم ما ذكره أن تكون جميع البلاد الشماليّة بالإضافة إلى مكة قبلتها نقطة الجنوب، فإن الخط الخارج من موقف المصلي إلى الخط المذكور المقاطع له على زوايا قوائم، هو خط نصف النهار المفروض ما بين نقطتي الجنوب والشمال.

وهذا إن لم يكن خلاف الضرورة من الدين فلا أقل من كونه خلاف ضرورة الفقه ومنافياً لجعل العلامات المختلفة باختلاف الأقاليم طولاً وعرضاً لمكّة.

وفيه: أن الخط المارّ من موقف المصلي إلى الخط المذكور لا يلزم أن يكون خط نصف النهار، فإن خط نصف النهار كخط الاستواء خط واحد ما بين الشمال والجنوب، يقطع الأرض نصفين على عكس خط الاستواء، بل يمكن فرض خطوط كثيرة حسب اختلاف البلدان.

فهذان الإشكالان لا يردان على المقداد، بل يرد عليه ما ذكرناه بالإضافة إلى عدم الدليل.

فالذي ينبغي أن يقال: أن ما ذكره الأردبيلي وإن كان متيناً في نفسه إلا أنه لا يستلزم القول بالجهة، فإن ظاهر الآية والروايات أن التوجه إنما هو لنفس الكعبة، لا أن القبلة أوسع كما سيأتي، ولا يلزم أن يكون ذلك معنى فلسفياً، بل يمكن تقريبه بنحو تكون الكعبة قابلة للتوجه إليها بدون هذا التدقيق، والشبهة التي ذكروها بالنسبة إلى المصلين في خط واحد مندفعة.

وبيان ذلك: أن القائلين بالجهة تخيّلوا أن المعتبر هو خروج خطوط متوازية من المصلين يصل كل منها إلى الكعبة، فمن جهة كون هذه الخطوط متوازية لا يمكن في مثل الجماعة أن يكونوا كلهم متوجهين إلى القبلة.

إلا أن هذا لا ملزم به، فإنه حتى لو كانوا كلهم على خط واحد مستقيم يمكن أن يكونوا متوجهين إلى الكعبة ومستقبلين لها، ولا يجب أن تكون الخطوط متوازية.

وتوضيح ذلك بوجهين:

الوجه  الأول: أن استطالة الصف في البعيد لا يستلزم خروج بعضهم عن استقبال الكعبة، وذلك بأن نفرض جماعة واحدة حول الكعبة مستديرة، وتكبر تلك الدائرة شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى دائرة كبيرة منصّفة لكرة الأرض، على أن يكون أحد قطبيها نفس الكعبة، وقطبها الآخر النقطة المقابلة لها من الجهة الأخرى، فكل قوس من هذه الدائرة وإن كان مستقيماً في نفسه، إلا أن كـل جـزء منه مواجه لنفس الكعبة.

فلو فرض جماعة واحدة تكون استطالة صفوفهم بمقدار سعة الأرض، كان كل واحد من أهل تلك الصفوف مستقبلاً حقيقة، وهكذا الكلام في الجماعة الواقعة على الدوائر المتوسّطة بين تلك الدائرة وقطبيها، فإن كبر الدائرة يوجب قلّة تقوّس كل قوس مفروض فيها بحيث لا ينافي كونه خطاً مستقيماً في حس البصر.

 فالجماعة الذين يكونون بعيدين عن الكعبة بألف فرسخ إذا توجهوا إلى الكعبة في خط مستقيم في الحس، لا يعلم عدم مواجهة أحد منهم لعين الكعبة، لاحتمال انحراف الخط ولو بمقدار شعرة فيكون الخط حينئذٍ قوساً لا خطاً مستقيماً هندسياً.

أو نفرض أن كل دائرة صغيرة تفرض في وسط الدائرة الكبيرة بحيث تكون مركزاً لها، وتكون مواجهة للدائرة الكبيرة بأجمعها، ونصفها يكون مواجهاً لنصفها وربعها لربعها وهكذا.

وعليه فرأس الإنسان الذي هو شبيه بالكرة يكون مواجهاً  لدائرة الأفق بتمامها، والجهة التي هي سبع الرأس تقريباً مواجهة لسبع دائرة الأفق، ولسبع جميع الدوائر المفروضة بين المصلي ودائرة الأفق تحقيقاً.

فجميع ما يفرض من الموجودات الواقعة في هذه الأقواس مواجهة لجهة المصلي، فإذا فرض أن الكعبة واقعة في هذا السبع، فكل من الإمام والمأموم مواجه لها حقيقة.

فالإيراد المتقدّم نشأ من فرض الخطوط متوازيةً، مع أن ذلك غير معتبر في المواجهة قطعاً، فإن كرة الشمس بجميع أجزائها مواجهة للشخص مع أنها أكبر من كرة الأرض بآلاف المرّات.

الوجه الثاني: أن الإيراد المذكور إنما يتم لو كان الواجب هو الاستقبال الحقيقي.

وأما إذا كان الواجب هو الاستقبال العرفي، أي بحيث لو أزيل المانع لرأى نفس الكعبة فلا إشكال أصلاً، ضرورة أن استطالة الصف لا تكون مانعة عن ذلك.

فدعوى: أن كرويّة الأرض مانعة عن استقبال نفس الكعبة، ولو كان المراد بها هو الفضاء من تخوم الأرض إلى عنان السماء، فإن من بَعُدَ عن الكعبة بمقدار ألف وخمسماية فرسخ الذي هو بمقدار ربع الكرة، فالخط الخارج من جبهته موازي للفضاء المقابل للكعبة لا محالة، ولا يتصل أحد الخطين بالآخر أبداً، فلا يعقل استقبال نفس الكعبة.

هذه الدعوى مدفوعة: بأن اتساع الجهة حقيقةً أو عرفاً كما يكون في عرض القبلة، كذلك يكون في عمقها، فإن الخط الخارج من جبهة المصلي إنما يخرج مخروطياً، فالمصلي على ربع الكرة مواجه لنفس الكعبة تحقيقاً أو عرضاً، بمعنى أنه لو ارتفعت كروية الأرض وانعدم الجزء الواقع بين المصلي والكعبة، لرأى المصلي نفس الكعبة لا محالة، فلا إشكال.


 

[[1]] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب2 القبلة .

[[2]] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب3 القبلة ح1 .

[[3]] الوسائل م3 كتاب الصلاة ب3 القبلة ح2 .

[[4]] المصدر السابق ح3 .

[[5]] المصدر السابق ح4 .

رجوع