___________________________
(مسألة 1): لا فرق في الغصب بين أن يكون من جهة كون عينه للغير أو كون منفعته له، بل وكذا لو تعلّق به حقّ الغير بأن يكون مرهوناً(1).
(مسألة 2): إذا صبغ ثوب بصبغ مغصوب، فالظاهر أنه لا يجري عليه حكم المغصوب، لأنّ الصبغ يعدّ تالفاً، فلا يكون اللون لمالكه، لكن لا يخلو عن إشكال أيضاً، نعم لو كان الصبغ أيضاً مباحاً لكن أجبر شخص على عمله ولم يعط أجرته لاإشكال فيه، بل وكذا لو أجبر على خياطة ثوب أو استأجر ولم يعط أجرته إذا كان الخيط له أيضاً.
وأما إذا كان للغير فمشكل، وإن كان يمكن أن يقال: أنه يعدّ تالفاً فيستحقّ مالكه قيمته، خصوصاً إذا لم يمكن ردّه بفتقه، لكن الأحوط ترك الصلاة فيه قبل إرضاء مالك الخيط، خصوصاً إذا أمكن ردّه بالفتق صحيحاً،
___________________________
(1) وذلك لأنّ العبرة في الحكم المتقدّم هو حرمة التصرّف، ولا يفرّق فيها بين كونها
ناشئة من كونه ملكاً للغير أو من شيء آخر، وإن كان ملكاً لله
كتعلّق النذر بعدم لبس هذا الثوب مثلاً ونحو ذلك، فإنّه لو قلنا باعتبار إباحة
الستر، فالمقصود الإباحة في قبال الحرمة، وكونه غير مملوك للغير لم يرِد في دليل
حتّى نقتصر عليه، فالحكم مطلق لكل تصرّف محرّم فيحكم بفساد صلاته.
___________________________
بل لا يترك في هذه الصورة(1).
___________________________
(1) هنا صور:
الصورة الأولى: أن يكون في العين صفة زائدة مسبّبة عن فعل شخص آخر جبراً، مع كون العين ومنفعتها ملكاً لصاحبها، كما لو أجبر غيره على غسل ثوبه أو صبغه مع كون الصبغ له، أو على خياطته مع كون الخيط له.
وفي مثل ذلك لا إشكال في أنّه يجوز له التصرّف في الثوب، فإن عمل الغير وإن كان جبرياً إلاّ أنّه لا يؤثّر في حرمة التصرّف في العين، بل غايته أنّه بالإجبار يضمن للمكره مقدار عمله، فالحكم في هذه الصورة كما ذكر الماتن.
الصورة الثانية: أن يجبره بالنحو المذكور مع كون الخيط ملكاً للمجبور أو الصبغ ملك له، وفي هذه الصورة من جهة العمل لا إشكال، وأمّا من جهة الخيط والصبغ فقد استشكل الماتن واحتمل صورتين:
الأولى: أن يكون على نحو يمكن ردّ الخيط إلى مالكه بفتقه وإخراجه منه مع بقائه صحيحاً.
الثانية: أن لا يمكن ذلك، ففي صورة عدم إمكان الرد ذكر أنّه يمكن أن يقال أنّه يعدّ تالفاً، فيستحقّ مالكه قيمته، واحتاط بترك الصلاة فيه قبل إرضاء المالك.
وفي الصورة الأخرى: حكم بوجوب الرد احتياطاً وجوبيّاً، والصحيح بناءً على اشتراط الإباحة هو عدم جواز التصرّف في كلتا الصورتين، أمّا في صورة إمكان الرد فواضح، وأمّا في صورة عدم إمكانه فلأنّ الخيط وإن لم يمكن ردّه، إلاّ أنّ له قيمة، حيث أنّ الثوب مع الخياطة قيمته زائدة، وهذه الزيادة استندت لوجود الخيط، والخيط لا موجب لخروجه عن ملكه وإن لم يمكن ردّه بعدما فرضنا أنّه يوجب زيادة القيمة.
على أنّه لو سلّمنا أنّ الملكيّة قد سقطت وأنّه تالف يصير من المباحات الأوّليّة، بل يبقى متعلّقاً لحقّ المالك كالحيوان الميّت والشربة المكسورة، فكيف يجوز التصرّف فيه حتى مع فرض أنّه تالف.
هذا في مسألة الخيط وقد عرفت أنّه لا فرق بين الصورتين.
وأمّا مسألة الصبغ لو كان مغصوباً، فقد ذكر أنّه تالف أيضاً، وأمّا نفس الثوب فهو لمالكه من دون حقّ لمالك الصبغ إلاّ القيمة، ولا يملك اللون، لأنّه تالف، وهذا الذي ذكره لعلّه هو المعروف.
إلاّ أنّه بحسب الارتكاز العقلائي، لا يمكن الالتزام به في مثل الصبغ وإن أمكن في العمل الخارجي، وأمّا في غير العمل الخارجي ممّا له أثر لكونه من الجواهر دقّةً أو عرفاً أو ليس من الجواهر دقة، ولكن له أثراً.
في مثل ذلك لا يمكن الالتزام بما ذكره على نحو الإطلاق، فإنّه في مثل غصب الخشب وطبخ الأكل به وتسخين الماء به، وإن قلنا بأنّ الحرارة دقّة مستندة إلى أجزاء النار الصغيرة المغصوبة، إلاّ أنّه مع ذلك بحسب المرتكز العقلائي لا يحتمل حرمة التصرّف بل الماء لمالكه عرفاً.
وأمّا الأثر الخارجي الذي هو من قبيل الصبغ، فإنّه بنظر العرف يعدّ الأثر موجوداً، لأنّ الصبغ بنظرهم هو تفريق الأجزاء التي كانت مجتمعة وجعلها على أجزاء هذا الثوب، فالصبغ دقّة جوهر وعرفاً أيضاً جوهر، لأنّه عبارة عن الأجزاء التي كانت مجتمعة.
وعليه فلا يمكن الالتزام بأنّه تالف، وعلى المالك القيمة، بل هو لمالكه، والتصرّف في الثوب يعدّ من الانتفاع بمال الغير، وأمثلته في العرف كثيرة، كغصب الشاي وأخذ لونه وإرجاع المادة، أو غصب التمر ووضعه في ماء ليصبح حلواً وإرجاع المادة لصاحبها ونحو ذلك، فإنّه لا يمكن الالتزام في مثل ذلك بجعله من التالف وأنّه لا حق له فيه بل يستحقّ القيمة.
والصبغ مثل ذلك، فلا تجوز الصلاة في الثوب المصبوغ بصبغٍ مغصوب بل صاحب الصبغ يشترك مع صاحب الثوب، لأنّ الثوب فيه زيادة مستندة إلى هذا الصبغ.
فما ذكره وإن كان يتم في العمل الخارجي مع عدم زيادة القيمة بلا إشكال، بل ومع زيادتها كما نقل عن الجواهر الاتّفاق عليه في باب الغصب غايته يستحقّ الأجرة كما عرفت في الصورة الأولى، إلاّ أنّه لا يتم فيما هو من قبيل الزيادات العينيّة التي لها أثر خارجي.
ثمّ إنّ الماتن (قده) خلط بين مسألة الإجارة والإجبار، إذا كان الخيط لمالك الثوب، مع أنّ إحداهما غير الأخرى، أمّا إذا كان الصادر من المجبر محض العمل فقد عرفت أنّه لا إشكال في جواز التصرّف في الثوب، غايته يستحقّ أجرة عليه، وأمّا لو كان الخيط منه، ففي مسألة الإجبار، الأمر كما ذكرنا، فيبقى الخيط على ملك مالكه، ولا يجوز الصلاة في الثوب.
وأمّا في مسألة الثوب: فالخيط لمالك الثوب بعد كون الإجارة صحيحة وإن لم يعطه الإجارة، لأنّه بالإجارة ملك العمل والخيط، وعدم أداء الأجرة لا أثر له في جواز التصرّف في الثوب، وإن كانت ذمّته مشغولة للأجير، نعم لو فسخ الأجير ينقلب الأمر، فيرجع الخيط إلى ملك الأجير وتكون المعاملة كالعدم فيصبح الخيط ملكاً للأجير ويجري عليه الحكم المتقدّم.
وقد أطالوا الكلام في مثل هذه الفروع في كتاب الغصب فليراجع.
___________________________
(مسألة 3): إذا غسل الثوب الوسخ أو النجس بماء مغصوب فلا إشكال في جواز الصلاة فيه بعد الجفاف، غاية الأمر أن ذمته تشتغل بعوض الماء، وأما مع رطوبته فالظاهر أنه كذلك أيضاً، وإن كان الأولى تركها حتى يجف(1).
(مسألة 4): إذا أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة فيه مع بقاء الغصبيّة صحّت، خصوصاً بالنسبة إلى الغاصب، وإن أطلق الإذن ففي جوازه بالنسبة الى الغاصب إشكال، لانصراف الإذن إلى غيره، نعم مع الظهور في العموم لا إشكال(2).
___________________________
(1) يعرف ما ذكره من غسل الثوب بماءٍ مغصوب مما ذكرناه في التعليق على (المسألة2) السابقة، فإنّه بعد الجفاف لا إشكال في جواز التصرّف فيه، وأمّا قبل الجفاف، فإن كانت الرطوبة معدودة من قِبل العين بحيث يمكن عصرها وردّها فلا إشكال في عدم الجواز.
وإن كانت من قبيل الصبغ أجزاء متفرّقة لا يمكن جمعها، ويجري فيه ما تقدّم في الصبغ، فقبل أن يؤدّي ثمنه لا يجوز التصرّف فيه لأنّه على ملك مالكه.
(2) أمّا الإذن لغير الغاصب فلا إشكال معه في صحّة صلاته، لأنّه تصرّف غير محرّم فلا موجب للبطلان.
وأمّا بالنسبة للغاصب فالكلام يقع تارةً من حيث الصغرى، وأخرى من حيث الكبرى.
أمّا من حيث الصغرى: فهو أنّه هل يمكن أن يأذن المالك بالصلاة فيه مع بقاء الغصبيّة أو أنّه بالإذن يخرج عن كونه غصباً ؟
فنقول: لا إشكال في إمكان ذلك الجمع، لأنّ الغصب منتزع من الاستيلاء على مال الغير وحبسه عن انتفاع مالكه به وتصرّفه فيه، وتصرّف الغاصب فيه أمراً آخر غير الغصب والاستيلاء ومحرّم آخر غيره، فلا مانع من إذن المالك في التصرّف مع عدم إذنه بالاستيلاء المذكور الذي هو محقّق عنوان الغصب، وقد يتّفق ذلك في مثل الأب والابن كما إذا غصب الابن من أبيه شيئاً والأب لا يرضى ببقائه عنده، ودائماً يطالبه بردّه، ولكن يرضى بأن يصلّي فيه حتى لا تكون صلاة ابنه باطلة ويستحقّ العقاب، فأحد الأمرين أجنبي عن الآخر.
وأمّا من حيث الكبرى: وأنّه هل تصحّ صلاته أو لا ؟
فنقول: لا إشكال في صحّتها كغير الغاصب مع خصوصيّة لغير الغاصب وهي خلوّه عن جهة إشكال موجودة في الغاصب،وهي أنّ الأمر بالشيء لو قلنا أنّه يقتضي النهي عن ضدّه، فإذن المالك للغاصب لا يجوّز الصلاة، لأنّ المفروض أنّه لا يرضى بالاستيلاء، فهذا غصب يجب ردّه، ووجوب الردّ يقتضي النهي عن كل فعل مضادّ له، فبناءً على هذا وأنّ النهي يقتضي الفساد، فصلاته فاسدة، لأنّ هذا النهي ليس نهياً مالكيّاً، بل هو نهي شرعي، فإذن المالك لا أثر له.
إلاّ أنّ المحقّق في محلّه عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه مضافاً إلى أنّ النهي هنا غيري لا يقتضي الفساد.
ثمّ إنّ إذن المالك لو كانت مطلقة فمع القرينة على إرادة الغاصب أو عدم إرادته لا إشكال، وأمّا مع الشك فلا يجوز للغاصب التصرّف، لأنّه لا بدّ في التصرّف من إحراز الرضا والإذن، فمع الشك لا يجوز لاستصحاب العدم.