بقي في المقام شيء
وهو أنّ حكم الأصل في مسألة اللباس المشكوك يختلف، فإنّه تارة يراد إجراؤه في نفس الحيوان، وأخرى في اللباس، وثالثة في نفس الصلاة، وأخرى في الشخص المصلّي.
فإن قلنا بأنّ المانعيّة أو الشرطيّة اعتبرت في ناحية الصلاة فلا بدّ من الفرق بين أن يلبس المصلّي هذا اللباس من الأوّل أو في الأثناء.
فإذا لبسه من أوّل الصلاة لا تصحّ الصلاة، لعدم إحراز أنّه من المأكول أو من غيره، ولا حالة سابقة للصلاة، ليجري الأصل، لأنّ المفروض أنّها هي ذات الشرط أو المانع، لأنّها من أوّل وجودها اقترنت بهذا المشكوك، وأمّا إذا لبسه في الأثناء فيحكم بصحّتها، لجريان استصحاب عدم وقوعها، فيما لا يؤكل كما سيأتي.
وأمّا إذا كانت المانعيّة أو الشرطيّة معتبرة من ناحية اللباس، فهذا أيضاً لا حالة سابقة له، بلا فرق بين الأوّل والأثناء، أو أنّه يبتني على العدم الأزلي.
وإذا كانت راجعة للمصلّي يحكم بالصحّة مثلاً من الأوّل وفي الأثناء، لأنّ له حالة سابقة على كِلا التقديرين.
وإن كانت راجعة إلى الحيوان يتوقّف جريان الأصل على كون التحريم ملحوظاً موضوعاً لا طريقاً.
هكذا ذكروا...
والكلام في جريان الأصول على هذه التقادير نتكلّم فيه عند التعرّض لمقتضى الأصل في المسألة، ولمقتضى الأدلّة الاجتهاديّة.
والكلام في المقام: في أنّ المستفاد من الروايات هل هو اعتبار المانعيّة في ناحية الصلاة أو المصلّي أو اللباس أو نفس الحيوان ؟
والذي ينبغي أن يقال: أنّ الشرطيّة والمانعيّة كما تقدّم تنتزع من تقيّد المأمور به بقيد وجودي أو عدمي، فهما أمران انتزاعيّان، ولا بدّ من رجوعهما إلى الصلاة لا محالة، إذ لا معنى لأن يُقال: أنّ المصلّي أو اللباس يعتبر فيه كذا، لأنّهما لم يتعلّق بهما أمر، بل هما موضوع للتكلّيف، فالشرطيّة والمانعيّة راجعة للصلاة.
إلاّ أنّ مركز هذا الاشتراط أي شيء ؟ هل هو الصلاة، فيقال: الصلاة مقيّدة بأن تقع فيما يؤكل أو لا تقع فيما يحرم أكله ؟ أو يقال: الصلاة مقيّدة بأن يكون اللباس كذا أو مقيّدة بأن يكون المصلّي كذا ؟
فنقول: قد عرفنا فيما تقدّم من الفرق بين الجزء والشرط أنّ الشرط يجب كونه اختياريّاً كالجزء، ومن هذا يعلم أنّ أمر الاشتراط دائر بين الصلاة والمصلّي، إذ اللباس وكونه ممّا يؤكل أو لا يؤكل غير مقدور للمكلّف فلا يكون هو مركز الاشتراط.
وإن كان يُقال بالمسامحة أنّ اللباس يعتبر فيه كذا، فإذا دار أمره بين الرجوع إلى الصلاة أو المصلّي، فلا بدّ من معرفة أنّه إلى أيّهما يرجع.
فنقول: الصحيح بمقتضى موثّقة سماعة المتقدّمة: (لا تلبسون شيئاً منها تصلّون فيه)، فإنّه نهى عن اللبس في الصلاة، ومقتضى هذا النهي رجوع الشرط إلى المصلّي، أي أنّ الصلاة وجبت مقيّدة بأن لا يلبس المصلّي كذا.
وأمّا موثّقة ابن بكير المتقدّمة فهي وإن كانت ظاهرة في الجملة في الرجوع إلى نفس الصلاة بقوله: (الصلاة في وبر كلّ شيء إلخ.. فاسدة) إلاّ أنّ هذا ظهور بدوي، وعند التدقيق لا بدّ من إرجاعها إلى مدلول موثّقة سُماعة.
وذلك لأنّ لبس ما لا يؤكل فعل من الأفعال التي تصدر من المكلّف، والصلاة أيضاً فعلٌ من أفعاله، فلا معنى لأن تكون الصلاة مقيّدة باللبس، لأنّ أحد الفعلين لا يكون ظرفاً للآخر.
نعم يصح أن يُقال: أنّ الصلاة مقيّدة بأن يكون المصلّي فيما يؤكل، لأنّ المصلّي نفسه لا مانع من أن يكون ظرفه ما يؤكل مثلاً.
هذا حاصل الكلام فيما ينبغي ذكره قبل الشروع في أصل المسألة.
ولا بدّ من التكلّم بعد ذلك فيما هو مقتضى الأدلّة الاجتهاديّة في مسألة اللباس المشكوك، ثمّ التكلّم فيما هو مقتضى الأصول العمليّة.