الشرط الخامس أن لا يكون من الذهب

___________________________

 (الخامس): أن لا يكون من الذهب للرجال، ولا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً(1).

___________________________

 (1)   أما حرمة لبس الذهب على الرجال في غير الصلاة، فقد ادعي عليه الإجماع والضرورة والتسالم، وهو يستفاد من عدة روايات فيها ما هو معتبر وصحيح.

منها: موثق عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام): (في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد، قال: لا، ولا يتختم به الرجل، فإنه من لباس أهل النار)، (وقال: ولا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لأنه من لباس أهل الجنة.. إلخ)[[1]].

والثانية: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى قال: (سألته عن الرجل هل يصلح له الخاتم الذهب ؟ قال: لا)[[2]]، رواها في الوسائل عن عبد الله بن الحسن بن علي، وعبد الله لم يوثق، ولكن رواها عن كتاب علي بن جعفر وسنده إلى كتابه صحيح إلا أنه قال هل يصلح له أن يتختم بالذهب.

فهاتان الروايتان دالتان على الحرمة.

ولكن قد يتوهم الجواز بروايتين:

الأولى: رواية ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام): (أن النبي (صلى الله عليه وآله) تختم في يساره بخاتم من ذهب ثم خرج على الناس فطفق ينظرون إليه فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتى رجع إلى البيت فرمى به فما لبسه)[[3]].

الثانية: رواها الصدوق (قده) في معاني الأخبار والخصال وهي صحيحة عبيد الله بن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال علي: (نهاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا أقول نهاكم عن التختم بالذهب.. إلخ)[[4]]، وسندها صحيح.

أما الرواية الأولى: فإنها مضافاً لضعفها بسهل وجعفر بن محمد بن عبد الله الأشعري فهي لا تدل، لأن غاية مدلولها أنه عندما لبسه لم يكن قد جعلت حرمته لأن الأحكام كانت على التدريج، فلا يدل على الحرمة الأبدية.

وأما الرواية الثانية: فقد ذكر فيها أنه نهاه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهي تدل على الحرمة بالنسبة إليه، وحيث لم تكن الحرمة مشرعة  عندما نهاه أراد  (عليه السلام) أن يحكي الكلام على حقيقته فقال: (ولا أقول نهاكم) بمعنى أنه عندما نهيت لم يكن في حقكم نهي، فلا تدل على عدم النهي فيما بعد.

وأما المناقشة في ذيل موثق عمار: بأن التعليل الذي في ذيله من أنه لباس أهل الجنة يدل على الكراهة لا الحرمة إذ لا حرمة في لباس ما يلبسه أهل الجنة.

فهذه المناقشة غير تامة: لأنه ليس المراد بلباسهم أنهم تكويناً هكذا، أو أنهم يختارون لبسه فلا تختاروا لبسه، بل المراد أن الله تعالى جعل لهم خصوصيةً وخصهم به في الجنة، فلبسه في الدنيا ينافي الجري على طبق ما جعله الله، حيث أنه لم يجعله لهم في الدنيا وخصهم به في الجنة، فمخالفة هذا حرام، فالتعليل يدل على الحرمة.

وأما توهم: أن الموثقة أيضاً لا تدل على الحرمة بقرينة السياق والنهي عن الحديد الذي ليس بمحرم.

فهذا التوهم مدفوع: لأنهما جملتان مستقلتان رفعنا اليد عن ظهور إحداهما في الوجوب بالأدلة الخارجية وهو ما دل على جواز لبس الحديد، وأما جملة النهي عن لبس الذهب فهي باقية على ظهورها ولا موجب لرفع اليد عن ظهورها في الحرمة[[5]].

وأما عدم جواز لبسه في الصلاة، فهو المشهور، وقيل بلا خلاف أجده فيه، وحكي عن المعتبر التردد لرواية موسى ابن أكيل النميري عن أبي عبد الله (عليه السلام): (في الحديد إنه حلية أهل النار، والذهب أنه حلية أهل الجنة، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه)[[6]].

وقد يستظهر من الشرائع عدم تحريم لبسه لأنه يذكره في الشرائط.

وكيف كان فالحكم المذكور لا إشكال فيه ويدل عليه الموثقة والصحيحة المتقدمتان.

وقد يستدل على اشتراط عدم لبسه في الصلاة كما عن المنتهى من بطلان الصلاة فيه، لأن الصلاة فيه استعمال له، وحرمة العبادة تقتضي الفساد.

وفيه أولاً: أنه لا دليل على حرمة استعمال الذهب مطلقاً، فإن أريد من الاستعمال مطلق الاستعمال فلا دليل على حرمته، وإن أريد خصوص اللبس فلبسه مسلم الحرمة، ولكن اللبس ليس عين الصلاة ولا قيدها، فالصلاة ليست استعمالاً للذهب بل هما شيئان[[7]].

ولو فرضنا أنه كان شرطاً في الصلاة باعتبار اشتراطها بالستر، فإذا كان التستر بالذهب وهو محرم فهذا التستر في حكم العدم، فالشرط لم يوجد فتبطل الصلاة.

فمع ذلك لا يتم الحكم بالبطلان، لأن التستر ليس بمأمور به ولا جزء من الصلاة بل أجزاء الصلاة مقيدة به، وحرمة القيد لا توجب بطلان المشروط إلا في الشروط العبادية كالطهارات الثلاث، والشرط هنا ليس عبادياً.

فدعوى: أن إطلاق الأمر بالتستر لا بد من تقييده -بعد حرمة لبس الذهب- بغير الذهب، فالتستر بالذهب لا يكون تستراً، بل هو بمنزلة العاري.

مدفوعة: بما عرفت بعد عدم اشتراط قصد القربة، على أن الاستدلال المذكور أخص من المدعى، إذ لو سلم فإنما ينتج البطلان بالتستر به في الصلاة، والمدعى البطلان بمطلق لبس الذهب في الصلاة.


 

[[1]] صدر الحديث في باب وذيله في باب آخر - راجع الوسائل م3 ب30 لباس المصلي ص299 ح5 - وب32 منه ص303 ح5  رواية الصدوق في العلل.

[[2]] الوسائل م3 ب30 لباس المصلي ص299 ح10.

[[3]] باب 30 لباس المصلي، ح3.

[[4]] باب 30 لباس المصلي ح7.

[[5]] قد يقال بأنه بناءً على أن الوجوب والحرمة مستفادان من حكم العقل كما يراه السيد الأستاذ نفسه ما لم يرد ترخيص، وقرينة السياق ترخيص، فلا ظهور للنهي من الأول في الحرمة.

[[6]] الوسائل م3 ب30 لباس المصلي ص299 ح5.

[[7]] وابتناؤها على مسألة الضد لأنه موجود بالنزع فيكون منهياً عن الصلاة -كما في الجواهر- واضح الفساد، لعدم كونهما ضدين.

رجوع