العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال = نظرة في الاجتهاد ومباديه

نسبة علم الفقه إلى علمي الفلسفة والكلام

ثم إن علم الفقه متأخر مرتبة عن علمي الفلسفة والكلام[i] عقلاً وشرعًا، ويتضح ذلك فيما يلي:

إن الأدلة الأربعة أعني الكتاب والسنة والعقل والإجماع، تترتب في لغة المنطق والعقيدة ترتيبًا منهجيًا لا بد منه ولا محيص عنه، لأن الكتاب والسنة إذا لم يسبقهما الإيمان بالله سبحانه وبحكمته وعدالته وبالنبوة وبعصمة النبي(صلى الله عليه وآله)، ليتفرع عليهما الاعتقاد بكون القرآن من عند الله، وبكون أصل التشريع من عند الله، وبكون النبي(صلى الله عليه وآله)في سُنَّته مبلّغًا لا مشرعًا، إذا لم يسبقهما ذلك كله، فلا يمكن الاستدلال بهما في قبال من لا يعترف بكونهما من عند الله سبحانه، لأن استدلال شخص بدليل في قبال خصمه لا بد وأن يكون أمرًا قطعيًا يعتقد به الطرفان، أو يعتقد به العقلاء، لأنه بديهي أو نظري مبرهن عليه، أو يكون أمرًا ظنيًا يتفق الخصمان على حجيته والاعتماد عليه، وإلا لم يصح الاستدلال، ولم تقرع الحجة بالحجة، ولا البرهان بالبرهان، بل يكون من الاحتجاج على الخصم بأمر لا يراه حجة.

ومن أجل هذا الترتيب المنهجي، لا يستنكر الفاهمون قول الشيعة إن العقل هو الرتبة الأولى من الإسلام، لأنه الحجر الأساسي في عالم الدليل والبرهان، ولا يستنكرون أيضًا قول من يقول: إن الإسلام يسير مع العقل وعلى ضوء العقل، جنبًا إلى جنب، لأن الإسلام يستند في أصوله الأولى على العقل، ويحرّم التقليد فيها، فالتوحيد، والعدالة، والنبوة، وعصمة النبي(صلى الله عليه وآله)، لا يمكن إثباتها إلا من طريق العقل.

علم الأخلاق

ثم إن علم الأخلاق عندنا شعبة من شعب الفقه، وأدلته هي أدلة الفقه بعينها.

وعلم الأخلاق عبارة عن أدب السلوك، أو تربية النفس تربية فاضلة ترفعها من مستوى الحيوان إلى مستوى الإنسان، ومن مستوى الإنسان العادي إلى مستوى الإنسان المثالي، وهو روح الرياضة، ورياضة الروح، أو ترويضها على الأصح، والرياضة الصحيحة لها درجات:

أولها: الالتزام بفعل الواجبات وترك المحرمات.

ثانيها: المحافظة عل السنن والآداب الشرعية بالقدر المستطاع، ونعني بذلك الاهتمام بفعل ما يتمكن عليه من المستحبات، وترك ما يتمكن من تركه من المكروهات.

ثالثها: مراقبة النفس ومحاسبتها على ما تتصف به من الرذائل كالبخل والسرف والجبن والتهور والحقد والكسل وغير ذلك، ثم معاقبتها بإرغامها على فعل أضداد هذه الصفات، فإن لم تطعه عاقبها بتوجيهها إلى الإكثار من الطاعات التي تسهل عليها، ويكون ذلك ككفارة وتعويض وترويض.

رابعها: التحلي والتخلي، وهي أعلى المراتب، ونعني بها التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، ومرتبة التخلي قبل مرتبة التحلي، لأن الثانية أصعب من الأولى، والنفس إذا وصلت إلى هذه المرتبة أصبحت مهيأة للفيض الإلهي، وقادرة على تحصيل اليقين بما وراء المادة، إيمانًا يشبه الإيمان بالمحسوسات.

والرياضة بلا فقه ولا تفقه، لا تأمن من الالتواء والانحراف، بل هي عين الالتواء والانحراف.

إن السنن والآداب أحكام شرعية لا بد فيها من الاجتهاد أو التقليد، والمرتاضون من الصوفية والدراويش وغيرهم إنما انحرفوا لأنهم فقدوا التفقه من أساسه، واعتمدوا على الخيالات والأطياف والقصص الواقعية الحاصلة من باب الصدفة، والقصص الخيالية المخترعة، وسمّوا ذلك بأسماء مترتبة: وهي الأطياف الصادقة، ثم الخطورات الذهنية، ثم المشاهدات، والإحاطة.

وقد أمر الله سبحانه في كتابه باتباع سبيل واحد، وهو سبيل أهل العصمة، ونهى عن اتباع السبل، فقال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[ii].

وحسبنا هذا المقدار في هذا المضمار.

انتهى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[i] الفرق بين علم الفلسفة وعلم الكلام مع وحدة موضوعهما : هو أن الفلسفة تبحث عما وراء المادة منطلقة من ذاتها، وعلم الكلام يبحث عن ذلك معتمدًا على العقل ومتقيدًا بالكتاب والسنة.

[ii] الأنعام:153.

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الأول     أرشيف المجلة     الرئيسية