ومما يستأنس
به ما نقله المحدّث النوري (قده) بسند صحيح،حيث قال:
[قدم النّجف
الأشرف منذ سبع عشرة سنة تقريبًا التّقيّ الصّالح السّيد
أحمد ابن السّيد هاشم ابن السّيد حسن الموسوي الرّشتي
أيّده الله وهو من تجّار مدينة رشت، فزارني في بيتي بصحبة
العالم الرّباني والفاضل الصّمداني الشّيخ علي الرّشتي].
إلى أن قال:
[فلمّا نهضا للخروج نبّهني الشّيخ إلى أنّ السّيد أحمد من
الصّلحاء المسدّدين ولمح إلى أنّ له قصّة غريبة].
ثم ذكر أنه
صادف السيد ثانيًا في مدينة الكاظمين، فسأله عنها، فأخبره
أنه قصد حج بيت الله الحرام سنة 1280، فسار مع القافلة،
وفي بعض الطريق أظلم الجو وتساقط الثلج، وكان الوقت ليلاً،
فلم يسعه اللحوق برفاقه، فقرّر الوقوف في مكانه حتى يطلع
الفجر، وإذا بستان يبدو أمامه، فيه فلاح بيده مسحاة.
قال: [فدنا
مني وسألني: من أنت؟ فأجبت: إني قد تخلفت عن الركب ولا
أهتدي، فخاطبني بالفارسية قائلاً: عليك بالنافلة،...]
إلى قال:
[فقال لي: أنا الآن ألحقك بالقافلة، فركب حمارًا وحمل
المسحاة على عاتقه وقال لي: أردف لي على ظهر الحمار، فردفت
له، ثم سحبت عنان فرسي فقاومني ولم يجرِ معي، فقال صاحبي:
ناولني العنان. فناولته إيّاه، فأخذ العنان بيمينه ووضع
المسحاة على عاتقه الأيسر وأخذ في المسير فطاوعه الفرس
أيسر المطاوعة، ثمّ وضع يده على ركبتي وقال: لماذا لا
تؤدّون صلاة النّافلة، النّافلة، النّافلة، قالها ثلاث
مرّات، ثمّ قال أيضًا: لماذا تتركون زيارة عاشوراء زيارة
عاشوراء زيارة عاشوراء كرّرها ثلاث مرّات، ثمّ قال: لماذا
لا تزورون بالزّيارة الجامعة الكبيرة، الجامعة، الجامعة،
الجامعة...].
إلى أن قال:
[فنظرت إلى
الوراء فلم أجد أحدًا ولم أعثر على أثر يدل عليه، فالتحقت
بأصدقائي]([17]).
مكاشفة
للمجلسي الأول:
ومما يسـتأنس به أيضًا ما
ذكره المولى محمد تقي المجلسي (قده) في روضة المتقين:
[ولما وفقني الله تعالى
لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) وشرعت في حوالي الروضة
المقدسة في المجاهدات وفتح الله تعالى علي ببركة مولانا
(عليه السلام) أبواب المكاشفات التي لا يحتملها العقول
الضعيفة رأيت في ذلك العالم (و إن شئت قلت بين النوم
واليقظة) عندما كنت في رواق عمران جالسا إني بسر من رأى
(سامراء)، ورأيت مشهدهما في نهاية الارتفاع والزينة، ورأيت
على قبرهما لباسا أخضر من لباس الجنة؛ لأنه لم أر مثله في
الدنيا، ورأيت مولانا ومولى الأنام صاحب العصر والزمان
(عليه السلام) جالسا، ظهره على القبر ووجهه إلى الباب فلما
رأيته شرعت في هذه الزيارة بالصوت المرتفع كالمداحين فلما
أتممتها، قال (عليه السلام): نعمت الزيارة.
قلت: مولاي روحي فداك زيارة
جدك؟ (و أشرت نحو القبر). فقال: نعم، ادخل.
فلما دخلت وقفت قريبًا من
الباب. فقال (عليه السلام): تقدّم.
فقلت: مولاي أخاف أن أصير
كافرا بترك الأدب. فقال (عليه السلام): لا بأس إذا كان
بإذننا.
فتقدمت قليلا وكنت خائفا
مرتعشا، فقال: تقدم.. تقدم، حتى صرت قريبًا منه (عليه
السلام). قال: اجلس. قلت: أخاف مولاي. قال (عليه السلام):
لا تخف.
فلما جلست جلسة العبيد بين
يدي المولى الجليل، قال (عليه السلام): استرح واجلس مربعا،
فإنك تعبت، جئت ماشيا حافيا.
والحاصل أنه وقع منه (عليه
السلام) بالنسبة إلى عبده ألطاف عظيمة ومكالمات لطيفة لا
يمكن عدها ونسيت أكثرها.
ثمَّ انتبهت من تلك الرؤيا،
وحصل في اليوم أسباب الزيارة بعد كون الطريق مسدودة في مدة
طويلة، وبعد ما حصل، الموانع العظيمة ارتفعت بفضل الله
وتيسرت الزيارة بالمشي والحفا، كما قاله الصاحب (عليه
السلام).
وكنت ليلة في الروضة المقدسة
وزرت مكررا بهذه الزيارة، وظهر في الطريق وفي الروضة
كرامات عجيبة بل معجزات غريبة يطول ذكرها، فالحاصل أنه لا
شك لي أن هذه الزيارة من أبي الحسن الهادي (عليه السلام) -
بتقرير الصاحب (عليه السلام) - وأنها أكمل الزيارات
وأحسنها بل بعد تلك الرؤيا أكثر الأوقات أزور الأئمة
(عليهم السلام) بهذه الزيارة وفي العتبات العاليات ما
زرتهم إلا بهذه الزيارة].([18])
الزيارة الجامعة الكاملة:
ثم أن هذه الزيارة العظيمة
لها صورة أخرى أطول، بطريق آخر غير الطريق الذي رواه
الصدوق و الشيخ رحمهما الله. وقد روى تلك الصورة المطولة
الكفعمي (رحمه الله) في البلد الأمين([19])
والميرزا النوري (رحمه الله) في المستدرك في أبواب
الزيارات([20]).
و قد روى المجلسي (رحمه الله) الزيادات في زيارات جامعة
أخرى.
بل قد ألّف الميرزا النوري
(قده) كتابًا خاصًا بالزيارة الجامعة الكاملة، و قد طبع في
تبريز سنة 1315 هـ ([21]).
و أورد الشيخ عباس القمي
(رحمه الله) متن الزيارة الكاملة في ما تممه من كتاب (
تحية الزائر ) للميرزا النوري([22]).
انتهى المقال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[17]-
النجم الثاقب ج2 ص273، مفاتيح الجنان ص 626-628.
[18]-
روضة المتقين ج5 ص452.
[19]-
البلد الأمين ص 418.
[20]-
المستدرك - باب نوادر ما يتعلق بأبواب المزار ج 10
ص 416.
[21]-
الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 12 ص 79.
[22]-
المصدر السابق: ج 3 ص 488.
|