العدد الثاني / 2005م  /1426هـ

     رجوع     محتويات العدد     أرشيف المجلة     الرئيسية

.

تتمة مقال =  مصحفنا الفعلي .. نسخة علي (ع)

 وقال ابن شبة في: 3/1005:

[عن توبة بن أبي فاختة، عن أبيه قال: بعث عثمان رضي الله عنه إلى عبد الله أن يدفع المصحف إليه، قال: ولِمَ؟ قال: لأنه كتب القرآن على حرف زيد. قال: أما أن أعطيه المصحف فلن أعطيكموه، ومن استطاع أن يغلَّ شيئًا فليفعل، والله لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وإن زيدًا لذو ذؤابتين يلعب بالمدينة! ]. انتهى.

ولم يَدَّعِ أحد غير عثمان وابن مسعود - خصم زيد بن ثابت - بأن قرآن عثمان كُتب على حرف زيد، ولكن غرض ابن مسعود من ادّعاء ذلك أن يبرِّر تمَسُّكه بقراءته، وغرض عثمان من ذلك إن كان قاله، أن يُسكِت المعترضين لعمر، لأنهم يعرفون ثقة عمر بزيد!

 وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: 2/426:

[الواقدي: حدثنا الضَّحّاك بن عثمان، عن الزهري، قال: قال ثعلبة بن أبي مالك: سمعت عثمان يقول: من يعذرني من ابن مسعود؟ غضب إذ لم أوَلِّه نسخ المصاحف! هلاّ غضب على أبي بكر وعمر إذ عزلاه عن ذلك وولَّيَا زيدًا، فاتَّبعت فعلهما!]. انتهى.

والجميع يعرف أن أبا بكر وعمر لم يولِّيَا ابن مسعود على نسخ المصاحف حتى يعزلاه، ولا ولَّيَا زيدًا إلا على جمع القرآن مع عمر وبرأيه، ولكن عثمان يريد الدفاع عن نفسه وإثبات أن سياسته نفس سياسة الشيخين التي يريدها الناس!

هذا هو الدليل الأول..

والدليل الثاني: أن قراءات عمر التي كانت في نسخته التي عند حفصة لا توجد في المصحف الإمام، وقد روتها عنه أحاديث صحيحة  كالبخاري، وكان يأمر بإثباتها في المصاحف ومحوِ ما عداها، مثل قراءة: صراط من أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم وغير الضالين، وامضوا إلى ذكر الله.. وغيرها، وغيرها..

قال البخاري في صحيحه: 6/63:  [وقرأ عمر: فامضوا إلى ذكر الله]، راجع الدر المنثور للسيوطي: 1/15 فإنك لا تجد لها أثرًا في قرآننا الفعلي الذي هو المصحف الإمام، والحمد لله.

والدليل الثالث: إصرار الدولة على مصادرة مصحف حفصة وإحراقه. ولا يمكن أن يكون سبب ذلك إلا أن حفصة أو غيرها.. أشاعوا أن مصحف عثمان.. فيه نقص أو خلل.. الأمر الذي جعل الدولة تُلِحُّ على أخذ النسخة. ولكن حفصة وقفت في وجه الدولة وقاومت إلى أن توفيت.. لكن الدولة ما أن فرغت من تشييع جنازة حفصة حتى وضعت يدها على النسخة وأحرقتها! فلو كان المصحف الإمام نسخة عن مصحف عمر، لما استطاعت حفصة أو غيرها أن تتكلم بكلمة، ولما كان معنى لإصرار الدولة وافتعالها أزمة طالت أكثر من عشرين سنة مع حفصة القوية بنت الخليفة القوي!!

قال في كنز العمال: 2/573: [عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله وخارجة، أن أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك، فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل. فكانت الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها، حتى عاهدها لَيَرُدَّنها إليها فبعثت بها إليه، فنسخها عثمان هذه المصاحف، ثم ردَّها إليها فلم تزل عندها. قال الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب فيها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها، فلما تُوفِّيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسل إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذا المصحف مرتاب، أو يقول إنه قد كان فيها شيء لم يكتب - ابن أبي داود].انتهى.

والمتأمل في هذه الرواية يطمئن بأن مصحف عمر كان فيه زيادة عن مصحفنا، كما صرَّح أبو موسى الأشعري عن مصحفه!

وقال عمر بن شبة في تاريخ المدينة: 3/1003: [عن ابن شهاب قال: حدثني أنس رضي الله عنه، قال: لما كان مروان أمير المدينة، أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضًا، فَمَنَعَتْها إياه.. لما ماتت حفصة أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر بعزيمة، فأعطاه إياها، فغسلها غسلاً. فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر، فشققها ومزِّقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك خلاف لما نسخ عثمان!].

 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 7/156: ( باب ما جاء في المصحف): [عن سالم بن مروان، كان يرسل إلى حفصة يسألها عن المصحف الذي نسخ منه القرآن فتأبى حفصة أن تعطيه إياه، فلما دفَنَّا حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر: أرسل إليّ بذلك المصحف، فأرسله إليه! رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح]. انتهى.

بل إن أزمة الدولة مع حفصة وإصرار حفصة الشديد! توجب أن نُكذِّب ما يقال من أنها أعطتهم النسخة أول الأمر، ولذلك شاع في المدينة أن مصحف عثمان لم يكتبوه عن مصحف عمر، وأن في مصحف عمر زيادات لم يكتبوها في القرآن!

الدليل الرابع: أن حفصة نفسها لم تكن تقرأ بمصحف أبيها الذي هو عندها أو عنده لا فرق، بل استكتبت لنفسها مصحفًا متداولاً! كما في مجمع الزوائد: 6/320 و: 7/154.

 إن كل المؤشرات بل والأدلة تدلُّنا على أن مصحف عمر كان مشروع مصحف يحمل اجتهادات  عمر المتجددة، وكان ينتظر أن يكتمل عمله فينشره.. ولكن الأجل عاجله، ثم عاجل مروان نسخته فأحرقها! .

ولم يكتبوا المصحف الإمام عن مصحف عائشة:

تفاجؤنا في روايات جمع القرآن وثيقة تاريخية مهمة وسارّة، يقول فيها عثمان إن لجنة جمع القرآن كتبت المصحف الإمام عن مصحف كتبه النبي (صلى الله عليه وآله)! وقد أعلن عثمان ذلك في رسالته إلى الأمصار التي أرسلها مع المصاحف!

 قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة: 3/997: [عن أبي محمد القرشي: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى الأمصار: أما بعد فإن نفرًا من أهل الأمصار اجتمعوا عندي فتدارسوا القرآن، فاختلفوا اختلافًا شديدًا، فقال بعضهم قرأت على أبي الدرداء، وقال بعضهم قرأت على حرف عبد الله بن مسعود، وقال بعضهم قرأت على حرف عبد الله بن قيس. فلما سمعت اختلافهم في القرآن والعهد برسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ورأيت أمرًا منكرًا، فأشفقت على هذه الأمة من اختلافهم في القرآن، وخشيت أن يختلفوا في دينهم بعد ذهاب من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قرأوا القرآن على عهده وسمعوه من فيه، كما اختلفت النصارى في الإنجيل بعد ذهاب عيسى بن مريم، وأحببت أن نتدارك من ذلك.

فأرسلت إلى عائشة أم المؤمنين أن ترسل إليَّ بالأدم الذي فيه القرآن الذي كتب عن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوحاه الله إلى جبريل، وأوحاه جبريل إلى محمد وأنزله عليه، وإذا القرآن غضٌّ، فأمرت زيد بن ثابت أن يقوم على ذلك، ولم أفرغ لذلك من أجل أمور الناس والقضاء بين الناس، وكان زيد بن ثابت أحفظنا للقرآن، ثم دعوت نفرًا من كُتَّاب أهل المدينة وذوي عقولهم، منهم نافع بن طريف، وعبد الله بن الوليد الخزاعي، وعبد الرحمن بن أبي لبابة، فأمرتهم أن ينسخوا من ذلك الأدم أربعة مصاحف وأن يتحفظوا]. انتهى.

كما أكَّد على ذلك عبد الله بن الزبير الذي كان عضوًا في لجنة جمع القرآن.

وقال عبد الله بن الزبير كما في ج 3 ص 991: [فجمع عثمان رضي الله عنه المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة رضي الله عنها فجئت بالصحف التي كتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فعرضناها عليها حتى قوَّمناها، ثم أمر بسائرها فشققت]. انتهى.

فما عدا مما بدا.. حتى صار القرآن مدوَّنًا في مصحف كامل من عهد النبي (صلى الله عليه وآله)؟! وأين وسائل الكتابة البدائية من [العسب والرقاق واللخاف وصدور الرجال] والمأساة التي يرويها البخاري؟!

وأين جلوس الإستعطاء على باب المسجد لتجميع الآيات والسُوَر من المسلمين؟! وأين قصة جمع القرآن على يد أبي بكر وعمر؟! وأين عشرات الروايات وعشرات النظريات؟! والتاريخ الذي بنوه عليها.. إلى آخر الأسئلة الكبيرة؟!

على أي حال.. إن الذي يهمنا الآن هو النتيجة التي تقول إن المصحف الإمام كتب عن نسخة مكتوبة في عهد النبي وتحت نظره (صلى الله عليه وآله) وذلك نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله تعالى عليها.. ولتسقط كل الروايات المخالفة لها، وليكن ما يكون!

يتبع =

 

أعلى الصفحة     محتويات العدد الثاني    أرشيف المجلة     الرئيسية