نزول القرآن في ليلة القدر
نزل القرآن في شهر رمضان، وبالتحديد في ليلة القدر، لكن
اختلف في نزوله جملة واحدة أم أن بدء النزول كان في ليلة
القدر؟
وقد ذهب إلى الأول جمع كبير من علمائنا، والمعروف أنه رأي
الشيخ الصدوق.
ومال إلى الثاني جماعة من العلماء وهو ما نسب إلى الشيخ
المفيد([1]).
ويُبعّد الثاني أن الأول هو الظاهر من الآيات. فالذي يظهر
من قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ}([2])أن
القرآن كله انزل في شهر رمضان، وكذا قوله تعالى:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}([3])التي
تشير إلى ليلة القدر، والذي يظهر منها أن القرآن أنزل كلّه
في ليلة القدر، وهو ما يظهر بوضوح من سورة القدر:
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } فإنه
وإن لم يُذكر اسم القرآن صريحًا إلا أن الضمير في
{أنزلناه} يعود إلى القرآن يقينًا، والسبب في إبهامه
بيان عظمته وأهميته.
لكن يبقى ثمّة سؤال ينبغي الإجابة عليه، وهو:
أنّ
المعروف أن القرآن نزل تدريجيًا خلال فترة البعثة لمدة ثلاث
وعشرين سنة، فكيف نوفّق بين ما هو المعروف، وبين ما يظهر
من الآيات السابقة من أن القرآن نزل كلّه في ليلة القدر؟
وللجواب على هذا السؤال نقول: بأن للقرآن:
1 - نزول دفعي، وهو نزوله بأجمعه ليلة القدر إلى البيت
المعمور في السماء الدنيا.
2- ونزول تدريجي، وهو ما حصل مدّة البعثة الشريفة خلال
ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث، وهو ما أشار إليه
قوله تعالى {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى
النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }([4]).
والوجه في ذلك ما رواه القمي في تفسيره عن أبيه إبراهيم بن
هاشم، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي جعفر
وأبي عبد الله وأبي الحسن الكاظم (صلوات الله عليهم
أجمعين) من أن الله أنزل القرآن في ليلة القدر إلى البيت
المعمور جملة واحدة، ثم نزل من البيت المعمور على رسول
الله (صلى الله عليه وآله) في طول ثلاث وعشرين سنة([5])،
ومثله ما ذكره في تفسير آية 185 من سورة البقرة([6])،
وكذلك ما رواه في الوسائل عن الصادق (عليه السلام) ([7]).
وألمح بعض الأعلام
إلى
الوجه بقوله:
"إن تعبير الآيات عن نزول القرآن يكون مرة بكلمة
إنزال
وأخرى
بكلمة تنزيل،
وأنه
يستفاد من كتب اللغة
أن التنزيل للنزول التدريجي والإنزال
له مفهوم واسع يشمل الدفعي أيضًا"([8]).
وفيه أولاً:
أن
ذلك غير ثابت، وبعض
أهل
اللغة قد يكون
أخذه
من كلام المفسّرين
فلا يصير بمجرد ذلك لغة([9]).
وثانيًا: هو منتقض باستعمال
التنزيل
بالدفعي في القرآن قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً
وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ
وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }([10])،
فاستعمل التنزيل وأريد
به النزول جملة واحدة.
يتبع =
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- تصحيح الاعتقاد
-
دار المفيد تحقيق حسين دركاهي ط2:
232.
[2]- سورة البقرة من الآية 185.
[5]- تفسير القمي - مؤسسة دار الكتاب/قم: 2/290؛ ومثله ما ذكره أيضًا عند تفسير
ه للآية 185 من سورة البقرة: 1/66.
[6]
- تفسير القمي: 1 /66.
[7]
- الوسائل كتاب الصوم باب 18 من أبواب أحكام شهر رمضان ح25.
[8]
- راجع تفسير الأمثل - مؤسسة البعثة للطباعة والنشر ط1: ج20 ص
313 (تفسير سورة القدر).
[9]
- تفسير القرآن الكريم مفتاح أحسن الخزائن الإلهية - (مطبعة
العروج ط1): 4/432 ؛ وراجع كلام الزبيدي في التاج
- نشر مكتبة الحياة بيروت: 8/133.
|