تعيين ليلة القدر
تعددت الأقوال عند المسلمين في تعيين ليلة القدر:
أما عند العامة، فقد أُحصي أكثر من أربعين قولاً، قال
الشوكاني في فتح القدير: "اختُلف في تعيين ليلة القدر على
أكثر من أربعين قولاً، وقد ذكرناها بأدلتها، وبيّنا الراجح
منها في شرحنا للمنتقى"([1])،
ونقل أبو يعلى الموصلي في مسنده عن الحافظ في فتح الباري
أن الأقوال في ليلة القدر بلغت ستًا وأربعين قولاً([2])،
ووصفوا أكثر تلك الأقوال بالشذوذ وعدّوا منها:
أنها دائرة بين ليالٍ
السنة كلها.. أنها بين ليالي شهر رمضان كله.. أنها في أول
ليلة من شهر رمضان.. أنها في آخر ليلة من شهر رمضان.. أنها
في منتصف شعبان.. أنها في ليلة سبع عشرة.. أنها تأتي في كل
سبع سنين مرة.. أنها كانت مرة واحدة وهي الليلة التي أنزل
فيها القرآن.. أنها رفعت بعد النبي (صلى الله عليه وآله)،
إلى آخر تلك الأقوال.
ولكن الذي عليه معظمهم أنها ليلة السابع والعشرين من شهر
رمضان، قال القرطبي في تفسيره: "والذي عليه المعظم عند
العامة أنها ليلة سبع وعشرين، لحديث زر بن حبيش"([3]).
وأما عند الإمامية، فقد دارت بين خمسة كلها في شهر رمضان:
أنها في كل العشر الأواخر، استظهره صاحب الحدائق من كلام
العلامة في المنتهى([4]).
أنها في فرادى العشر الأواخر (نقله صاحب الحدائق عن الشيخ
في التبيان)([5]).
أنها منحصرة بين ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، استنادًا
إلى مجموعة من الروايات([6]).
أنها منحصرة بين ثلاث ليال، ليلة تسع عشرة، وليلة إحدى
وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، قال في الحدائق "ولا خلاف بين
أصحابنا رضوان الله عليهم في انحصارها في هذه الليالي
الثلاثة"([7]).
أنها في الليالي الثلاث مجتمعة، بمعنى أن لها ثلاث مراتب:
في ليلة التاسع عشر: التقدير، وفي الواحد والعشرين:
الإبرام، وفي الثالث والعشرين: الإمضاء، وهو الذي مال إليه
في (المراقبات) وأن القرآن أشار إلى آخر مراتب التقدير من
الإمضاء([8]).
أنها ليلة الثالث والعشرين، وهو الظاهر من كثير من الأخبار([9]).
ويتضّح من مراجعة الأخبار الواردة عن النبي وأهل بيته
(عليهم السلام) أنهم يتحرّزون عن تحديدها بليلة معيّنة،
والهدف من ذلك أن يجتهد الناس في العبادة، وأن يقوموا
بإحياء أكبر قدر ممكن من ليالي شهر رمضان، طمعًا في
إدراكه،ا وأنها أخفيت بين الليالي لحكمةٍ، كما أخفى سبحانه
وتعالى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، واسمه الأعظم في
الأسماء، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة.
لكن ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان هي الليلة التي
يُرجى أن تكون ليلة القدر لعدّة مؤيدات:
منها: ما دلّ من روايات على نزول القرآن ليلة ثلاث وعشرين([10]).
ومنها: أن من قرأ سورة العنكبوت والروم ليلة ثلاث وعشرين
من شهر رمضان (فهو من أهل الجنة لا أستثني فيه أبدًا)([11]).
ومنها: أن من قرأ سورة القدر ألف مرّة ليلة الثالث
والعشرين من شهر رمضان أصبح شديد اليقين بما يختص بأهل
البيت عليهم السلام([12]).
ومنها: أنها ليلة الجهني ( عبد الله بن أنيس الأنصاري )
الذي أسرّ له النبي عن ليلة القدر، لأنه لا يقدر على
المجيء إلى المدينة أكثر من ليلة واحدة، فكان الجهني إذا
كان ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله إلى المدينة([13]).
ومنها: ما ذكره في الوسائل من أن الصدوق نقل اتفاق مشائخنا
على أنها ليلة ثلاث وعشرين([14]).
ومنها: ما ورد في كثير من الروايات من تحديد ليلة القدر
بليلة الثالث والعشرين([15]).
يتبع
=
ــــــــــــــــــــــــــ
[1]
- فتح القدير - الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير - مطبعة عالم
الكتب: 5 /472.
[2]
- مسند أبي يعلى الموصلي - مطبعة دار المأمون للتراث تحقيق حسين سليم أسد:
2/335.
[3]
- تفسير القرطبي - مطبعة دار الفكر بيروت تحقيق مصطفى السقا: ج20 ص134 - راجع
في الموضوع سنن البهقي - مطبعة دار الفكر بيروت: 4
/307 /313.
[4]
- الحدائق - منشورات جامعة المدرسين/قم: 13/447 استنادا إلى رواية الكافي
(دار الأضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد
الفقيه):
عن حمران عن
الباقر عليه السلام 4:/157 ح6.
[5]
- الحدائق - منشورات جامعة المدرسين/قم: 13/447.
[6]
- منها رواه في التهذيب - دار الكتب الإسلامية طهران: 3
/58 ح3 /4 .
[7]
- الحدائق منشورات جامعة المدرسين/قم: 13/447 ولذا ذكروا
أعمالا عامّة للّيالي الثلاثة وأعمالاً خاصة لكل
منها.
[8]
- المراقبات في أعمال السنة: 238 - الكافي - دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ
محمد جواد الفقيه: 4/ 159 - ورواية الوسائل: باب
32 من أبواب تعيين ليلة القدر ح13595 - 2.
[9]
- الحدائق - منشورات جامعة المدرسين/قم: 13 / 447.
[10]
- الكافي - دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد الفقيه:
2/629 ذيل ح6.
[11]
- وسائل الشيعة باب 33 استحباب قراءة العنكبوت والروم... ح 13615 -1.
[12]
- الوسائل باب 33 استحباب قراءة العنكبوت والروم والقدرح2)؛ ورواه الشيخ
المفيد في المقنعة - جامعة المدرسين/قم: 50 ؛
والشيخ في التهذيب - دار الكتب الإسلامية طهران:
3/100.
[13]
- الوسائل ياب 32 من أبواب تعيين ليلة القدر ح16.
[14]
- الوسائل باب 32 تعيين ليلة القدر، ح 1.
|