هل رفعت ليلة القدر
من جملة الأقوال التي ذكرت عن ليلة القدر:
1 - أنها كانت مرة واحدة وهي الليلة التي أنزل فيها
القرآن.
2 - أنها كانت في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) فقط ثم
رفعت بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى.
ولكنّ هذه الأقوال شاذّة لا يعوّل عليها، لأن المؤكد
بقاؤها بعد النبي (صلى الله عليه وآله) وتكرّرها في كل
سنة، وأنها تتكرّر بتكرّر شهر رمضان، ويتكرّر معها الخير
وتتجدّد فيها البركة والرحمة، لما روي عن الصادق عليه
السلام سئل عن ليلة القدر: ( كانت أو تكون في كل عام؟
فقال: لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن)([1]).
ولما رواه أبو ذرّ الغفاريّ قال: (قلت: يا رسول الله،
القدر شيء يكون على عهد الأنبياء.. يُنزَّل عليهم فيها
الأمرُ فإذا مضَوا رُفعت؟ قال: لا، بل هيَ إلى يوم
القيامة)([2])،
إلى غيرها من الروايات الدالة على تكرّرها في كل سنة في
شهر رمضان.
ويؤيد ذلك: التعبير في سورة القدر بالفعل المضارع «
تَنَزّل » الدال على الاستمرار والتجدّد أي « تَتَنزّل »
في كلّ عام، وكذا في سورة الدخان جاء الفعل مضارعًا
مستمرًّا متجدّدًا: { فيها يُفْرَقُ كلُّ أمرٍ حكيمٍ *
أمرًا مِن عندنا إنّا كنّا مُرسِلينَ }.
وإذا عرفنا مدى ارتباط ليلة القدر بولاة الأمر بعد رسول
الله (صلى الله عليه وآله) نعرف أن وراء مثل هذه الأقوال
التي ذكرها أعداء أهل البيت مغزى وهدفًا
سياسيًا،
وقد أكّد ذلك ما جاء في بعض الروايات التي رواها الكليني
في الكافي عن الصادق عليه السلام([3]).
هل كانت ليلة القدر في الأمم السابقة
قال العلامة الحلي في التذكرة: إن الله "خصّ بليلة القدر
هذه الأمة"([4])ومال
إليه آخرون([5])،
وهو ما يظهر من بعض الروايات:
منها: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما اطّلع على أعمار
الناس قبله، ورأى تقاصر أعمار أمته فتأثر (صلى الله عليه
وآله)
مخافة ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه
الله ليلة القدر وجعلها خيرًا من ألف شهر([6]).
ومنها: انه ُذكر للنبي (صلى الله عليه وآله)
قصة رجل من بني إسرائيل حمل السلاح في سبيل الله ألف شهر
وتمنّى ذلك في أمته فأعطاه الله ليلة القدر([7]).
وادّعى بعض علماء العامة أن ذلك هو المشهور، قال النووي:
"ليلة القدر مختصة بهذه الأمة زادها الله شرفًا ولم تكن
لمن قبلنا، هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به أصحابنا
كلهم وجماهير العلماء([8])واستندوا
إلى النبوي المروي عن أنس: (إن الله تعالى وهب لأمتي ليلة
القدر، ولم يعطها من كان قبلكم"([9]).
بل ادعى بعضهم الإجماع على ذلك، قال ابن كثير في تفسيره:
"إن الخطابي ادعى الإجماع على اختصاص ليلة القدر بهذه
الأمة، ثم قال والذي دلّ عليه الحديث أنها كانت في الأمم
الماضين كما هي في أمتنا"([10]).
لكن بعض الروايات تدل على عدم الاختصاص:
منها: ما رواه في الكافي عن أبي جعفر (عليه السلام)، وهي
رواية طويلة فيها: (ولا بد لمن سواهم من أول يوم خلقت فيه
الأرض إلى آخر فناء الدنيا أن تكون على أهل الأرض حجة ينزل
ذلك في تلك الليلة إلى من أحب من عباده، وأيم الله لقد نزل
الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم، وأيم الله
ما مات آدم إلا وله وصي، وكل من بعد آدم من الأنبياء قد
أتاه الأمر فيها)([11]).
والذي يقرب إلى النظر عدم المانع من وجود ليلة القدر في
الأمم السابقة بمعنى إرسال الملائكة إلى ولي الأمر وحجة
الله على عباده في تلك الليلة وتقدير أمور العباد فيها،
وأن المختص بأمة نبينا (صلى الله عليه وآله) هو فضلها
وثوابها الذي هو خير من ألف شهر والذي تفضّل به تعالى على
هذه الأمة كرامة لنبينا (صلى الله عليه وآله)، ويؤيد ذلك:
1 - أن الله في ليلة القدر يدبّر أمور العالم ويقدّر
شؤونهم، وهي سنَّة إلهية عامة وثابتة في جميع الأمم.
2 - استخدام الفعل المضارع {تنَزّل} في سورة القدر
وهو يدل على الاستمرار.
3 - وكذلك استعمال الجملة الاسمية: {سَلَامٌ هيَ
حَتَّى مَطْلَع} الذي يشير إلى الدوام.
انتهى المقال
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]
- الكافي - دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد الفقيه: باب ليلة
القدر:
4/158 /7.
[2]
- البحار - مؤسسة الوفاء بيروت: ج25/97 / ح72.
[3]
- أصول الكافي - دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد الفقيه: في باب
(شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها، أصول
الكافي:1/307/ح4.
[4]
- التذكرة (تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء
التراث قم ط1): 1/283 - مسألة 167.
[5]
- تفسير الأمثل - مؤسسة البعثة للطباعة والنشر ط 1: 20/319 (تفسير سورة
القدر).
[6]
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور - نشر دار المعرفة بيروت ط1: 6 /371.
[7]
- مجمع البيان - دار احياء التراث العربي بيروت: 10 /409.
[8]
- المجموع في شرح المهذب -دار الفكر: 6/447.
[9]
- كنز العمال (مؤسسة الرسالة/بيروت - تحقيق الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة
السقا): 8/536
ح24041.
[10]
- تفسير ابن كثير - دار المعرفة بيروت طباعة سنة 1412 ه ق:
4/568.
[11]
- أصول الكافي - دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد
الفقيه:1/308 /7.
|