علامة ليلة القدر
تعرّضت الروايات إلى بعض علامات ليلة القدر، ونشير إلى
جملة منها:
1 - أن يطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت وإن كانت في حرّ
بردت وطابت([1]).
2 - أن تطلع الشمس في صبيحة ليلتها ليس لها شعاع كالقمر
ليلة البدر([2]).
3 - أن نجومها كالشمس الضاحية([3]).
وهناك علامات لم تذكر في مصادرنا:
1- أنه لا تنبح فيها الكلاب، وقد سأل عبد الأعلى الإمام
الصادق عن ذلك فقال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنهم
يقولون إنها لا ينبح فيها كلب، فبأي شيء تُعرف؟ قال: إن
كانت في حرّ كانت باردة طيبة، وان كانت في شتاء كانت دفيئة
لينة)([4]).
2 - لا يُرمى فيها بنجم.
3 - لا ينزل فيها مطر.
4 - ليس فيها ريح.
5 - ليس فيها سحاب([5]).
ارتباط ليلة القدر بولي الأمر
دلّت الروايات على أن الملائكة تتنزّل في ليلة القدر على
حجّة الله وولي الأمر في تلك الليلة بإذن الله وبأمره،
وبحوزتهم كل أمر قدّره الله تعالى وأبرمه من أمور العباد
في تلك السنة من الآجال والأرزاق والبلايا والسعادة
والشقاء وغيرها مما يرتبط بهم.
فقد روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يا معشر الشيعة
خاصموا بسورة إنا أنزلناه تفلحوا، فو الله إنها لحجّة الله
تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، وإنها لسيّدة دينكم، وإنها لغاية علمنا، يا معشر
الشيعة خاصموا ب {حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في
ليلة مباركة إنا كنا منذرين} فإنها لولاة الأمر خاصّة
بعد رسول الله( صلى الله عليه وآله) )([6]).
- وفي تفسير القمّي: (قيلَ لِأَبي جَعفَرٍ عليه السلام:
تَعرِفونَ لَيلَةَ القَدرِ؟ فَقالَ: وكَيفَ لا نَعرِفُ
لَيلَةَ القَدرِ وَالمَلائِكَةُ يَطوفونَ بِنا فيها!)([7]).
- وما ورد من أن من قرأ سورة القدر ألف مرة أصبح شديد
اليقين بما يختص بأهل البيت عليهم السلام([8]).
- وروى الكليني بسنده عن الباقر عليه السلام: (أنه لينزل
في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة، يُؤمر
فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا)([9]).
لكن هناك سؤال يُطرح في المقام وهو: أن المعروف أن النبي
يعلم بإذن الله علم ما كان وما سيكون، وأن هذا العلم موجود
عند أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين، فما هو العلم الذي
تنزل به الملائكة ليلة القدر؟
وللجواب عن ذلك نقول: يظهر من الروايات أن الله تعالى خلق
لوحين:
1- لوح المحو والإثبات، وهو الذي يحيط بعلمه النبي والأئمة
صلوات الله عليهم أجمعين، وهو ما يحصل فيه البَداء، فقد
يُثبت الله شيئًا ثم يمحوه لحِكَمٍ كثيرة لا تخفى على أولي
الألباب، مثل زيادة العمر لأجل صلة الرحم والصدقة والدعاء
فيمحو الله العمر الناقص ويثبت الزائد بعد فعل تلك الأمور،
وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك على ما في بعض
الروايات: ( والله لولا آية في كتاب الله لحدّثناكم بما
يكون إلى أن تقوم الساعة: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ
وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} )([10]).
2- والثاني اللوح المحفوظ، وهو الذي استأثر بعلمه جلّ
وعلا، ويعبّر عنه بأُم الكتاب أو العلم المخزون عند الله
تعالى، ويكتب فيه ما سيكون من غير شرط، وهذا العلم يستحيل
فيه البداء والتغيُّر، وهو حتمي الحصول والتحقّق لأنه
يُخبر عمّا في علم الله تعالى، ويؤكد ذلك ما في بعض
الروايات من حصول الإبرام والإمضاء في ليلة القدر([11]).
من هنا نعرف أهمية نزول الملائكة والروح في تلك الليلة
المباركة من كل سنة على ولي الأمر وإبلاغه ما أبرمه الله
تعالى من الأمور التي لا بداء فيها ولا تغير، فحصولها حتمي
لأنها تخبر عما في علم الله تعالى الذي لا يتبدل ولا
يتغير، ويؤكّد ذلك ما جاء في بعض الروايات، منها ما رواه
إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: ( سمعته يقول
وناس يسألونه يقولون: الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان؟
قال: فقال: لا والله ما ذلك إلا في ليلة تسعة عشرة من شهر
رمضان وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، فإن في ليلة تسع عشرة
يلتقي الجمعان، وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق كل أمر حكيم،
وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضي ما أراد الله جل جلاله ذلك، وهي
ليلة القدر التي قال الله {خير من ألف شهر} قلت: ما
معنى قول: "يلتقي الجمعان" ؟ قال: يجمع الله فيها ما أراد
الله من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه، قلت: وما معنى
يمضيه في ليلة ثلاث وعشرين؟ قال: إنه يفرق في ليلة إحدى
وعشرين، ويكون له فيه البداء، وإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين
أمضاه فيكون من المحتوم الذي لا يبدو له فيه تبارك وتعالى
)([12]).
يتبع =
ـــــــــــــــــــــــــ
[1]
- الكافي - دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد الفقيه:
4/157ح3 وقد ذكرت هذه العلامة في العديد من
المصادر.
[2]
- مستدرك الوسائل - مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث بيروت ط2:
7/468 ح 8672.
[3]
- الإقبال - مكتب الاعلام الاسلامي قم ط1 تحقيق جواد القيومي الاصفهاني:
1/152.
[4]
- الإقبال - مكتب الاعلام الاسلامي قم ط1 تحقيق جواد القيومي الاصفهاني:
1/152
[5]
- هذه الأربعة الأخيرة ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد - دار الكتب العلمية
بيروت: 3/178.
[6]
- أصول الكافي - دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد
الفقيه: 1/308 ح6.
[8]
- التهذيب - دار الكتب الاسلامية طهران: 3/100.
[9]
- أصول لكافي
-
دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد الفقيه: 1 / 306
ح3.
[10]
- قرب الإسناد - تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث قم
ط1: ص 354.
[11]
- راجع مبحث البداء من البحار مؤسسة الوفاء بيروت، وصراط النجاة ج3 سؤال
1228.
[12]
- الكافي - دار الاضواء تحقيق العلامة الشيخ محمد جواد الفقيه: باب ليلة
القدر:
4/159/8.
|